السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (١٠ : ٣).
وعرش ثالث يوم القيامة الكبرى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ..) (٣٩ : ٧٥) (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (٦٩ : ١٧).
فالعرش وهو السلطة الربانية بملابساتها الخلقية ، هو واقعيا وفعليا ليس إلّا في مثلث الزمان ، على المادة الأولية : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) وعلى السماوات والأرض : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) وعلى القيامة الكبرى ، تقديرا وتدبيرا ، وأما قبل الخلق حيث كان الله ولم يكن معه شيء فلا عرش إذ لا معروش ، مهما كان له العرش ذاتيا لمكان الحياة والعلم والقدرة الطليقة ، فهو «خالق إذ لا مخلوق» بمعنى قدرته على الخلق قبل مشيئته ، كذلك هو (ذُو الْعَرْشِ) إذ لا معروش ، بمعنى سلطته على ما يخلق من معروش فعرش.
فهو (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (٨٥ : ١٦) فعاليته الفعلية الواقعية هي عرشه الفعلي في مثلث الزمان ، وفاعليته الشأنية بكمال القدرة الفعلية هي عرشه الشأني (١) ، والقرآن إنما يتحدث عن الأول دون الثاني ، اللهم إلّا ما قد يدل على الخلق الأوّل كهذه الآية ، فقد كان عرشه وسلطته على الماء قبل خلقه سلطة على إنشائه ، وبعده سلطة على تقديره وتدبيره ، ثم قبل خلق السماوات والأرض سلطة على خلقهما ، وبعد خلقهما سلطة على تقديرهما وتدبيرهما ، ثم قبل إقامة القيامة سلطة عليها كأصل ، وبعدها سلطة على تقديرها وتدبيرها.
فلئن توسعنا في صيغة العرش لكان له مراحل ست ، إلّا أن القرآن
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٢٢ أخرج مسلم والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء.