وعظمت حيلته وكثرت مكائده أن يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم ، أيها الناس إنه لن يزداد امرء نقيرا بحذقه ، ولن ينقص امرء نقيرا لحمقه ، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته ، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته ، ورب منعم عليه مستدرج بالإحسان إليه ، ورب مغرور في الناس مصنوع له ، فاتق الله أيها الساعي عن سعيك ، وقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك ، وتفكر فيما جاء عن الله عزّ وجلّ على لسان نبيه» (١).
إذا ف (عَلَى اللهِ) كما تعم الرزق بسعي لأهله ، إلى الرزق بغير سعي لمن لا يحمل رزقه ، كذلك تعم تكوينه المخالف لتشريعه ، إلى الموافق لتشريعه ، وهذه هي من قضايا توحيد الربوبية (٢).
ذلك ، و «أما بعد فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطرات
__________________
(١) في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا ما يقول : ..
(٢) في الكافي بإسناده عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أظن أن علي بن الحسين (عليه السلام) يدع خلقا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي (عليه السلام) فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأي شيء وعظك؟ فقال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر (عليه السلام) وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحالة في طلب الدنيا أما أني لأعظنّه ، فدنوت منه وسلمت عليه فرد علي بنهر وهو ينصاب عرقا فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا؟ أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال؟! فقال : لو جاء في الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عزّ وجلّ أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف إن جاءني وأنا على معصية من معاصي الله ، فقلت : صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني.
وفيه بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : استقبلت أبا عبد الله (عليه السلام) في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر فقلت : جعلت فداك حالك عند الله عزّ وجلّ وقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت تجهد في مثل هذا اليوم؟ فقال : يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني به عن مثلك.