ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) (١١ : ٦١). وقد يعني تأخر التوبة عن الاستغفار بما عنى ، الاستغفار من سالف الذنوب ، والتوبة نصوحا عما يستقبل ، والاستغفار من الشرك ، والتوبة من سائر المعاصي ، والاستغفار طلب من الله لإزالة ما لا ينبغي ، والتوبة محاولة الإنسان نفسه لإزالة ما لا ينبغي.
ولأن متاع الحياة الدنيا هو (مَتاعُ الْغُرُورِ) بما يغركم به الغرور ، ف (مَتاعاً حَسَناً) هو البعيد عن غرور الغرور ، فضلا عن كل غرور ، فيكون متاعا تشتري به الحياة الآخرة ، فحين يشرى بالحياة الآخرة يصبح متاع الغرور ، وإذا يشرى به الحياة الآخرة فهو المتاع الحسن ، وكما يصف الإمام علي (عليه السلام) الدنيا التي طلقها ثلاثا لا رجعة فيها
بقوله : «من أبصر بها بصّرته ومن أبصر إليها أعمته».
ثم «فضله» في (يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) تعني فضل الله إلى فضل ذي الفضل ، حيث يجازيهم فضلهم بزيادة من فضله ، مهما كان كلّ من فضله ورحمته.
ذلك و (مَتاعاً حَسَناً) ليس يختص بالمتعة الفردية بل والجماعية التي تمتع المجموعة المستغفرة التائبة ، فتصبح الحياة الدنيا نموذجة من الحياة العليا ، وكما سوف نجدها زمن صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
فالمتمتع حسنا بمتاع الحياة الدنيا له الحسنى في الحياتين مهما أساء إليه الآخرون ، إذ (يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) وبالنتيجة يؤت كل ذي رذل رذله ، مهما كانت الآخرة هي المجالة الحقة الحقيقية لذلك الإيتاء الفاضل ، ولكن للدنيا أيضا نصيب كما يناسبها : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧ : ٩٦).
فالمتاع الحسن لا يعني ـ فقط ـ ما يحسن الحياة الأخرى ، بل والأولى هي الركيزة الأولى لحسنه مهما قل وعلّ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى).