بعضا وينطق بعضه على بعض ، ثم تفصيل القرآن بالسنة لمكان (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ).
فلا تفصيل حقيقا للقرآن إلّا (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) مما يحصر تفسير القرآن بنفسه ، ومنه تفسيره بالسنة حيث أمرنا باتباعها ولكنها لا تعرف إلّا بموافقة القرآن ، دون أية حاجة إلى تفسير وتفصيل من عند غير الله ، فكما أن أصل كتاب القانون الرباني منه ، كذلك التبصرات له فصلا ، فقد يفسر الوحي نفسه كتابا وسنة.
فكما أن الحكيم الخبير يفصّل محكم القرآن تدوينيا ، وحيا وما أشبه ، كذلك يفصله تكوينيا على مدار تقدم الكشوفات والاختراعات ، وتقدم العقليات التي توضّح ما أحكم من الذكر الحكيم.
فحركات الأرض ودورانها ، وانعكاسات الأعمال بأصواتها وصورها ، والجاذبية العامة بملابساتها ، وتقدم هذه الكرة الأرضية على سائر الكرات بسماواتها ، ووجود دواب في السماوات كما في الأرض وما أشبهها من عشرات ومئات ، هي من التفصيلات التكوينية لما احكم في الذكر الحكيم.
ذلك ، ومن أحكم الإحكام في القرآن الذي يليه التفصيل هو التوحيد الذي يحلق على كافة موضوعاته ومواضعه ، فإنه الموضوع الوحيد الذي يحول حوله كل تفصيل ، بارزا في أصوله وفروعه ، عقيدية وأحكامية وقصصية وسواها من تفاصيل الكتاب.
فقد (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) في حكيم التوحيد الحق وحق التوحيد ، (ثُمَّ فُصِّلَتْ) في تفصيله مهما اختلفت المظاهر التوحيدية فيها ، فكلمة (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) المحكمة الحكيمة هي مفصّلة في كافة محتوياته دون إبقاء ، مما يربط بينها برباط حكيم عميم ، دون انفلات عنها وإن بآية من آية.
ف «ثم» إذا لا تعني التراخي في ذلك التفصيل ، مهما عنته فيما سبق من تفصيل ، فهي تعنيهما كما يعني الإحكام والتفصيل كل هذه الإحكامات والتفاصيل.