بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (٢١ : ١٠) ـ والإعادة أهون عليه فيما نقيس إذ لا أهون له ، فكل خلقه هين : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧) ـ (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٩ : ٢٠) (١).
ذلك ولو لم تكن إعادة بعد الموت لكان خلاف القسط تسوية بين فريقي الإيمان والكفر ، بل وخطوة زائدة للكافرين وحرمانا للمؤمنين وهذا ظلم لا يحصل إلّا من ضعيف ، فإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، ضعيفا في قدرته أو علمه أو حكمته أو رحمته ، فلولا الإعادة للجزاء بعد الخلق لكان البدء ظلما عاريا عن الحكمة العادلة.
فقد بدء الخلق «ليجزي ..» وهو يعيده «ليجزي» خلقا قاصدا بإعادة قاصدة قاسطة ولا يظلمون نقيرا.
وهنا (يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) قد تعني كل الخلق مكلفين وسواهم من الخلائق ، فقد تلمح أنه يعيد السماوات والأرض كما بدأهما ، أم ويعيد خلقا آخرين مكلفين وسواهم بعد القيامة الكبرى ، ولكن احتمال خلق آخرين بعيد عن «ثم يعيده» إذ ليس خلق آخرين إعادة للأولين ، وأما احتمال رجع السماوات والأرض فوارد وكما تدل عليه (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) (٧٦ : ١٣) (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١١ : ١٠٨).
ذلك ، وكما أنه واحد في بدء الخلق لا شريك له أصيلا ولا بديلا ، كذلك هو المرجع والمعيد لا شريك له أصيلا ولا بديلا ، حيث البدء والإعادة والإرجاع هي أمور خاصة بساحة الربوبية فلا تقبل نيابة وإذنا ، وكما المستفاد من (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) حصره مرجعا ومآبا فحسابا وثوابا وعقابا.
__________________
(١) لتطلع واسعا على المعاد في المعاد راجع ج (٢٢ : ١٠٨ ـ ١١٥) من الفرقان وآيات أشباهها. وفي «عقائدنا» ٦٩ ـ ٢٢٧٨.