علهم ناجون ، أن السنة جارية بدائب استمرارية التكذيب كما كان مهما تعلقوا عند رؤية البأس بلفظة الإيمان ، وهكذا كل عاص مؤجّل للتوبة ، حيث يغتنم الفرصة ما دامت الحياة قائلا : سوف أتوب ، ولكن أين الأمل من العمل ، ومن ذا يضمن توفيق التوبة وتوفر أسبابها بعد استمرارية العصيان : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢ : ٨١).
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)(١٠٠).
«لو» هنا تحيل تلك المشيئة المخالفة للحكمة الربانية من الخلق فإنها الإختيار الاختبار «أفأنت» الرسول ـ ولن يشأ الله ـ (تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) و (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) مما يشي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مصرا على إيمانهم لشوقه الفائق للإيمان (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣٣١ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من أخبار التوحيد بسند سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) عن قول الله جلّ ثناءه : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ...) فقال (عليه السلام) : حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : إن المسلمين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام ليكثر عددنا وقوتنا على عدونا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما كنت لألقى الله تعالى ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا من المتكلفين فأنزل الله تبارك وتعالى عليه يا محمد : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمن عند المعاينة ورؤية البأس وفي الآخرة ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وأما قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلّا بإذن الله وإذنه أمره لها ـ