ف (قالُوا آمَنَّا) و (لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) و (خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) تصريحات ثلاث بأنهم لم يؤمنوا ، وهنا (لَمَّا آمَنُوا) دليل أنهم آمنوا ، فعدم الإيمان الصادق هو طبيعة الحال لمن عاشوا كافرين حتى جاء بأس الله ، فليس ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ، اللهم إلّا شذر نزر كقوم يونس (لَمَّا آمَنُوا) نفعهم إيمانهم لصدقهم ف (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) أن يرجعوا كفارا فنعذبهم ، أم حين موتهم حيث ينقطع متاعهم الدنيا إلى متاعهم في الأخرى.
ذلك ، وفيما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أن يونس دعا قومه فلما أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب فقال إنه يأتيكم يوم كذا وكذا ثم خرج عنهم ، وكانت الأنبياء إذا وعدت قومها العذاب خرجت ، فلما أظلهم العذاب خرجوا ففرقوا بين المرأة وولدها وبين السخلة وأولادها وخرجوا يعجون إلى الله علم الله منهم الصدق فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب (١).
أجل وإنه «لا ينجي حذر من قدر وإن الدعاء يدفع من البلاء» (٢) حين يكون حقا صادقا.
ذلك ، وليس هذا الاستثناء إلا عن واقع مستمر ، فلا يخص قوم يونس إلّا كواقع مضى ، فإن استقبل مثل ما عملوا فعل الله بهم كما فعل بهؤلاء من كشف العذاب ، ولأنه يندّد بسائر القرى التي لا تؤمن عند رؤية البأس ، أم تؤمن إيمانا لا ينفع وهو المنبعث عن رؤية البأس.
فلا بد لدفع العذاب من إيمان سابق عليه أم لاحق به يكسب فيه خير كقوم يونس ، ف (.. يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ..) (٦ : ١٥٨).
ذلك و «فلولا» إهابة بالمكذبين المتعلقين بخيوط النجاة الأخيرة
__________________
(١) المصدر أخرج ابن النجار عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ... وقد قال الله في كتابه : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ).