ذلك ، وأخيرا قد تعني «إن» النافية لمدخولها : فما كنت في شك مما أنزلنا إليك ، فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ليشهدوا لك أنك ما كنت في شك كما هم ليسوا في شك ، لمكان البشارات المحمدية في كتبهم ، وأن طبيعة وحي الكتاب تدل على أن القرآن أحرى أن يكون وحيا.
وهذا التوجيه في «إن» النافية يشي بما كان وراءه من شدة الموقف وتأزّمه في مكة بعد هامة الإسراء ، وقد ارتد بعض من أسلموا لعدم تصديقه وبعد موت خديجة وأبي طالب واشتداد الأذى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين معه ، وبعد تجمّد الدعوة في فترة مكية بموقف قريش العنيد العتيد ، وكل هذه الملابسات تلقي ظلالها على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسري عنه بذلك التوكيد بعد ذلك القصص الموحى ، تعريضا بالشاكين الممترين المكذبين :
وفي رجعة أخرى إلى الآية نقول : إنها تحمل شرطية تنبه أن قراءة الكتاب مما يحمل قارئه على تصديق وحي القرآن بأحرى من كل كتابات الوحي وكما (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) اجتثاثا لكل شك وريبة عن ساحة الوحي القرآني بتلك المقالة مهما كانت بسيطة عابرة ، فضلا عن المقايسة الدقيقة بعد التدبر في آية الكريمة حيث تزداد يقينا مزدوجا بأنه الوحي القمة الذي يحتل الموقع الأعلى من عامة الوحي على عامة رسل الله.
وهنا «الذين يقرءون الكتاب» ليس يعني فقط علماء أهل الكتاب ، بل هم عامة القارئين له علماء وسواهم ، ويقابلهم «أميون لا يقرءون الكتاب إلا أماني» فللشاك أن يسمع إلى قراءة أي وحي ثم يقايسه إلى من يقرأ القرآن أم هو يقرأه ، ثم يفكر أيهما أحرى بالتصديق وحيا؟ وطبعا هو القرآن الذي يفوق سائر الوحي في كافة الحقول البيانية لفظية ومعنوية.
ذلك ، ولئن كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في شك مما أنزل إليه لكان يؤنّب أشد مما يؤنّب الشاكون سواه ، وكما يندد بهم :