(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (٣٨ : ٨) (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (٤١ : ٤٥) (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (٤٢ : ١٤) (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) (٤٤ : ٩).
وعلى أية حال فالشك بين كفر ، ومتطرق إلى إيمان ، وأما المؤمن بالفعل فضلا عن رسول الإيمان فلا شك له بل هو على ذروة من اليقين ، وإلا فكيف يصطفيه الله ويجتبيه بين عباده الصالحين وهو نفسه بشكه من الكالحين الطالحين؟!.
إذا (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) في وجه خطاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليست لتقول أنه في الحق شاك مما أنزل الله إليه ، إذ لو كان في شك منه كان كافرا أم ضالا لم يؤمن بعد فضلا عن الرسالة القمة ، ثم ما ذا تفيده أمثال هذه الآية التي تعني علاج شكه إذ هو شاك فيها كما هو شاك في سواها.
وقد تعني (مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) خصوص المذكورات قبلها من (لَقَدْ بَوَّأْنا) ـ إلى ـ (يَخْتَلِفُونَ) عناية إلى تثبيتها وهم به مقرون.
ثم الشاك في القرآن هو بأحرى شاك فيما سواه من وحي هو دونه في ظهوره وبهوره ، فضلا عما يقرأه له أهل الكتاب ، ثم ما ذا يفيده بعد (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) وهو شاك فيما أنزل إليه ، إذ لا فارق بين ما أنزل إليه أكان هو سائر القرآن أم أمثال هذه الآيات التي تعني علاج شكه.
إنما ذلك من باب : إياك أعني واسمعي يا جارة ، أن الشاك في القرآن له طريق بسيط لإزالة شكه هو قراءة سائر الوحي وقياسه إلى وحي القرآن ، ثم طريق أعلى هو التدبر في القرآن نفسه ، وأما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو موقن في وحي القرآن بنفسه منذ نزوله ، دون حاجة إلى وسائل أخرى داخلية أم خارجية توصله إلى الإيقان بوحي القرآن.