محدود من العذاب؟ و (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) و (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٤٢ : ٤٠) فلا تجزون دون كسب كالجزاء بالنيات السيئة فإنها ليست مكتسبة ، ولا دون استحقاق كالجزاء دون سبب ، ولا فوق استحقاق كالجزاء اللّامحدود بالمكسب المحدود ، وكل ذلك الثالوث ظلم في الجزاء ، وإنما تجزون ما كنتم تكسبون وتعملون جزاء وفاقا ولا تظلمون نقيرا.
(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(٥٣).
الاستنباء هو طلب النبإ ، ولأن حياة الحساب نبأ عظيم فقد (يَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ)؟ تساءلا بتجاهل هازئ ناكر في عجاب ، والجواب موجب ببرهانه المجمل الجميل : (قُلْ إِي وَرَبِّي) ف «ربي» الذي رباني بهذه التربية القمة الرسالية يدلكم على أنه «حق» حيث الرسالة في أصلها ترتكن على مستقبل الحساب ، كما وهي مبدئيا دليل على حق المبدإ ، فهي هي الوسيطة بين المبدإ والمعاد بأصلها رسوليا ورساليا ، وهي البلاغ لما يتوجّب على المكلفين بعد بيان المبدإ والمعاد ، أمرا من المبدإ وحائطة على المعاد (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) الله في نكرانكم المعاد ، ولا معجزين إياه تفلّتا عن الحساب ، ولا تغلّبا على حكمته بمشيئته ، ولا معجزين إياي كرسول أن تبطلوا رسالتي بالتأنيب والتكذيب ، فأنتم الأنكاد الأوغاد أعجز من أن تعجزوني فضلا عن ربي ، فأنتم العاجزون ، بل :
(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٥٤).
«ظلمت» هكذا نكرانا لأصول من شرائع الله وتكذيبا (لَافْتَدَتْ بِهِ) من سوء العذاب هنا وفي البرزخ والأخرى : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ. وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٩ : ٤٨) (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ