كله فعجزوا ، ثم بعشر سور فعجزوا ، ثم بسورة فكذلك الأمر ، فضلا عما تحداهم في سائر الحقول ، ولكنهم التجأوا الى مفاوضة الحقوف عن معارضة الحروف ، وعقلوا الألسنة والعقول ، ورضوا بكلم الجراح عن الكلم الفصاح» (١).
فمعجزة القرآن في سائر الحقول يفوقها تفوّق المعنى على اللفظ ، والعقول على الأجسام ، فما اللفظ إلّا أداة للتعبير ، وهو فيها ايضا بالغ قمة الاعجاز فضلا عما سواها.
كما وأنّ معجزة الفصاحة والبلاغة قد تخص أهليها ، وفي خصوص العربية ، والقرآن يتحدى العالمين دون خصوص العرب العرباء الفصحاء البلغاء ، فالتحدي شامل كافة الحقول المتسابقة ألفاظا ومعاني وحقائق.
فرغم ما تجد في كلام غير الله ـ أيا كان ـ : القمم والسّفوح ـ التوافق والتعثّر ـ القوة والضعف ـ التحليق والهبوط ـ الرفرفة والثقلة ـ الإشراق والانطفاء ، وأمثالها من سمات الاختلاف والتغير والنقصان والملل والكلل ، لا تجد شيئا من ذلك في القرآن ، وفيه من صريح الحق ، والبعد عن الكذب والخيال ، ما يناحر مظاهر الفصاحة والبلاغة المرسومة!
فالفصاحة ركنها في وصف خيالات بعيدة عن الواقع تجاوب الآمال الشاسعة ، والقرآن كله حق وبيان الواقع! ومع ذلك فانه في أعلى قمم الفصاحة!
ومن عواملها الكذب ، فاي شاعر تركه الى الصدق نزل شعره كما نزل
__________________
(١) ... نفس المصدر السابق.