آيات اربع تبين موقف هذا الإنسان ـ السامي ـ بعد سائر أنساله في الأرض ، أن جعله الله خليفة في الأرض ، بعد ما خلق له ما في الأرض كأنه هو فقط إنسان الأرض ، وبعد أن أعطاه المعرفة التي يعالج بها خلافة الأرض ، لئلا يخلد إلى الأرض ويتبع هواه ويفرط عن هداه ، بل يتابع صراطه الإنساني الى الله ، فيحقق في نفسه خلافة الله ، فلنعش ردحا مع هذه الخلافة السامية ، بعين البصيرة وانشراح الصدر ، في ومضات الاستشراف ، مطّلعين على ساحته الأعلى ، متطلعين إلى المشية العليا ، حيث الجعل رباني فليكن الخليفة ربانيا ، مثلا أعلى للرب آية لربوبيته ، لا مثلا ينوبه سبحانه سبحانه!
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .. (٣٠))
آية يتيمة منقطعة النظير في تصريح الخلافة الأرضية لهذا الإنسان ، مهما تلمح لها وتلمع آيات أخرى في إشارات .. يحق لنا أن نجدّ السير بهذه اليتيمة بكل إمعان وإتقان ، في كلّ لفظة أو لمحة ، ولكي نحصل منها على معرفة منقطعة النظير.
«وإذ» ترى ما هو المعطوف عليه هنا؟ لا نجد هنا معطوفا عليه مذكورا يناسبه ، فليكن سرا بين الله ورسوله غير مذكور لنا ، حيث الخطاب هنا له (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاتيا لا لنا .. «فاذكر ..» «واذكر» إذ قال ربك ..
(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) ولماذا «ربك» لا (رَبِّ الْعالَمِينَ)؟ علّه لأن له الحظ الأعظم من هذه الخلافة ، فهو الخليفة الأعظم والإمام الأقدم ، ابن لآدم الاوّل صورة وأبوه سيرة وسريرة! :
وإني وإن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي ، كما وأعظم الأسماء التي علمها الله آدم هو الحقيقة المحمدية كما تأتي.