(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤).
استفهام إنكار بتقريع حار ، يوجه إلى بني إسرائيل عجالة في هذه المواجهة المندّدة ، وإلى كل من يفعل كما يفعلون : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) وهو كل خير من قال او فعال او حال (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) نسيان تجاهل أم جهلا عن تناس (تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) في تطبيق البر الذي به تأمرون ، ولا سيما وأنتم في تركه تجاهرون حال (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أفَلا تَعْقِلُونَ) عقلا لموازين البر والأمر به عن الكتاب ، وعقلا في الدعوة إلى داعية الكتاب.
فقد ينهى الإنسان عما هو فاعله ، أم يأمر بما هو تاركه غافلا قاصرا وفي جهل مركب قاهر فهو معذور ، أم علما بفرضه فعلا أو تركا ولكنه معذور يبين عذره او يبيّن فهو معذور ، وأما أن ينسى نفسه فيما ينهى او يأمر عارفا عاقلا عن الكتاب وفي أمره ، متعمدا في تناسي الهزء واللّامبالاة ، فذلك قطعا غير معذور ، فإنه خلاف عامد للكتاب وعقل الكتاب وعقل الأمر ، كيف (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟
فهنا الآية لا تندد ـ فقط ـ بترك البر ، بل ويثقل النهى عن الأمر به وأنت تاركه (١) فهو الذي ياتي بويلات عقائدية وأخلاقية وعملية فيمن يؤمرون.
إن معترف العصيان في هذا الميدان يخيّل إليه نفي العصيان ، وإلا فكيف ينهى عالم الكتاب ويأمر وهو نفسه في نسيان! أم هو العالم يلعب بأمر الكتاب ـ إذا ـ فلا أصل للكتاب الذي يلعب به حملته! فهنالك
__________________
(١) المصدر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : انما يأمر بالمعروف وينهى عن