شكلياتها ، فانها متشابهة في مخارجها الصوتية على سواء.
فمهما كان التدبر في سائر القرآن راجحا او واجبا ، فهو في هذه الحروف غير ممكنة إذ لا مجال فيها ، اللهم إلّا ما ثبت في تأويلها عن أهليها ، ام تخرسا بالغيب او تخرصا : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) (٥١ : ١٠) : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٦ : ١١٦)!
(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢)
وترى لماذا «ذلك» إشارة البعيد ، وهذا الكتاب بين أيدينا قريب قريب؟ ثم وما هو «الكتاب»؟ وكيف (لا رَيْبَ فِيهِ) وفيه مرتابون كثير؟ وكيف هو فقط (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)؟ فما بال غير المتقين يعذبون وليس القرآن لهم هدى؟!.
ذلك لأن «ذلك» إشارة تلميحة إلى علوّ المحتد ، وبعد المنزلة لربانية الكتاب ككلّ : معنويا ولفظيا ، على كونه قريبا منّا كتابة وسماعا وتلفظا ، ثم وقريبا إن تدبرنا فيه معنويا حسب الإمكانيات والقابليات ، فهو إذا غريب عنا ، قريب منا ، جماع الغربة القربة ، التي تستحق «ذلك» مرة أخرى.
و «الكتاب» علّه أم الكتاب لدى الله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٤٣ : ٤) فهذا الذي تفصيله بين يديك (لا رَيْبَ فِيهِ).
أو والذي أنزل على الرسول ليلة القدر : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) نزولا محكما : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (٤١ : ٣) وهذا تفصيله (لا رَيْبَ فِيهِ) :
أو الذي أجمل في أم الكتاب «سورة الحمد» هو ذلك الكتاب لا ريب فيه.