فسورة من القرآن وإن كانت أقله كالكوثر ، تتحدى الجن والإنس في الدهر كله ، لا ردحا من الزمن وجماعة خاصة ، فالتحدي يعم الزمن وأهله : (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) أن يأتوا بمثله بشريّا ام إلهيّا ، فان الله لم يكلّم أنبياءه في سائر كتابات الوحي كما كلّم محمدا في القرآن ، رمزا لخلوده ، وهيمنة له على وحي الأرض والسماء كله ، وسبقة له في كافة ميادين السباق ، بل ولا سباق معه فيها إذ لا رفاق!.
فإنه ليس عبارات يحاولون محاكاتها ، بل هو كسائر ما يبدعه الله من آيات معجزات ـ وأعلى منها كلها ـ يعجز المخلوق من صياغته وصنعه ، فهو امر من الله كما الروح من أمره ، لا يدرك الخلق سره مهما أدركوا من معناه.
انه آية إلهية يدل بنفسه على نفسه دون شهود آخرين : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٤ : ١٦٦) فلا تعني شهادة الله بما أنزل إلّا شهادة كلام الله أنه منه دون سواه حيث : «أنزله بعلمه» : فمعالم علم الله فيه باهرة : علما في كافة الحقول أدناها صياغة الألفاظ فصاحة وبلاغة ، وأعلاها العلوم الإلهية التي لن تدرك إلّا بالوحي وبينهما متوسطات.
فالبشر الذي يعرف كلام البشر بوسمته ووصمته ، يعرف الوسمة الإلهية دون أية وصمة في القرآن ، لحد لا يستطيع وحيدها في الكلام ان يعبر عنه إلّا انه «يؤثر» : يبقى مدى الدهر دون معارضة ، وان افترى عليه : «أنه سحر» تناقضا فاضحا واضحا (١).
__________________
(١) راجع تفسير الآية ج ٢٩ ص ٢٤٦ ـ ٢٥٠.