ثم اعلم أيضا أنهم صرحوا بأن المصاهرة لا يتعدى إليها تحريم الرضاع ، والذي يحرم من الرضاع إنما هو ما يحرم من النسب لا من المصاهرة ، وربما أو هم ذلك التناقض في كلامهم وليس كذلك ، فإن المفهوم من كلامهم أن المصاهرة على قسمين :
أحدهما : ما يكون ناشئا وفرعا عليه ، وهذا هو الذي لا يتعدى إليه تحريم الرضاع ، كما إذا ارتضع صغيرا من امرأة رضاعا محرما ، فإن المرضعة تصير بمنزلة الزوجة للأب النسبي من حيث إنها أم ابنه وأمها بمنزلة أم الزوجة وأختها بمنزلة أخت الزوجة وبناتها بمنزله بنات الزوجة وهكذا ، فهذه المصاهرة أعني كون أم المرضعة بالنسبة إلى الأب النسبي أم زوجة وأختها أخت زوجة وهكذا ، انما نشأ من الرضاع خاصة فمثل هذه المصاهرة لا تؤثر فيها حرمة الرضاع ولا يتعدى إليها التحريم بأن تحكم بتحريم الام والأخت مثلا على الأب النسبي بسبب ذلك الرضاع ، بل يجوز له تزويجها.
ومن ذلك المسائل الأربع المتقدمة في سابق هذا المقام ، فإن التحريم فيها مبني على التحريم بهذه المصاهرة ، وقد عرفت أن لا تحريم في شيء منها إلا في الصورة الاولى من حيث تلك النصوص المتقدمة فيها.
وأنت خبير بأن إطلاق المصاهرة على ذلك لا يخلو من تجوز ، فإن المصاهرة على ما ذكروه عبارة عن علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما بسبب النكاح توجب الحرمة ، وهذه العلاقة المدعاة هنا بين الأب النسبي وبين المرضعة ليست بسبب النكاح ، فلا مصاهرة في الحقيقة ، وإنما ذلك نوع تجوز باعتبار أنها لما صارت أم ولده فكأنما بمنزلة الزوجة ، فهي مشابهة للزوجة في الأمومة ، فلا يترتب عليها تحريم في الأقارب ، لاختصاص ذلك بالمنكوحة.
والقسم الثاني : ما يكون ناشئا عن النكاح ، مثل كون المرأة أم الزوجة أو أختها أو بنتها ، فإن هذا الوصف إنما يثبت بنكاح بنت المرأة أو أختها أو أمها ،