(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) أي بل الذي فعل هذا هو الصنم الأكبر ، الذي لم يكسره.
وقد نسب الفعل إلى هذا الصنم الأكبر ، لما رأى شدة تعظيمهم له ، باعتباره المتسبب أو الباعث على الفعل ، أي الاستهانة والتحطيم ، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى المتسبب فيه. أو أنه أقرّ بفعله بأسلوب تعريضي لإلزامهم الحجة وتبكيتهم ، كما يقول الصانع الحاذق الشهير أو الخطاط المشهور لمن يسأله عن هذه الصنعة الرائعة أو الخط الجميل : بل أنت صنعت ذلك أو بل أنت كتبت ذلك ، والقصد بهذا الجواب تقرير السائل على سؤاله مع الاستهزاء به ، لا نفيه عن صاحبه وإثباته للسائل.
(فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي فاسألوا هذه الأصنام عمن كسرها إن كانوا آلهة ينطقون.
وفي ذلك الجواب لفت أنظارهم وتنبيه أذهانهم إلى عقم عبادة الأصنام ، فيبادروا من تلقاء أنفسهم للاعتراف بعدم جدواها وأنها أحجار صماء لا تنطق ، وجمادات لا تتكلم ، فكيف تستحق العبادة؟! وقد أثر الجواب في أفكار هم بدليل قوله الآتي : (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) أي فرجع قوم إبراهيم حينئذ على أنفسهم بالملامة ، ونسبوا إلى أنفسهم التقصير في عدم الاحتراز وعدم حراسة آلهتهم ، ما داموا لا ينطقون ، وقالوا :
(فَقالُوا : إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) أي قال بعضهم لبعض : إنكم أنتم الظالمون في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها. أو أنتم الظالمون أنفسكم بعبادة ما لا ينطق.
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ ، لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) أي ثم أطرقوا في الأرض للتأمل والتفكير ، أو عادوا إلى المجادلة بالباطل لإبراهيم وانقلبوا عن حال الاستقامة ، واحتجوا على إبراهيم حينما أدركتهم الحيرة بقولهم : إنك تعلم ونحن