الأرحام ، ومكارم الأخلاق. (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي افعلوا هذه كلها ، وأنتم راجون الفلاح ، غير متيقنين له. والآية آية سجدة عند الشافعية ، لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ، ولقوله صلىاللهعليهوسلم : «فضلت سورة الحج بسجدتين ، من لم يسجدهما ، فلا يقرأهما».
(وَجاهِدُوا فِي اللهِ) أي في سبيله ومن أجله أعداء دينه. (حَقَّ جِهادِهِ) أي جهادا حقا خالصا لوجهه ، وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة ، كقولك : هو حق عالم. وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعا ، أو لأنه مختص بالله. والجهاد : استفراغ الوسع في مجاهدة العدو ، وهو ثلاثة أنواع : مجاهدة العدو الظاهر كالكفار ، ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس والهوى ، وهذه أعظمها ، فقد أخرج البيهقي وغيره عن جابر قال : «قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قوم غزاة ، فقال : قدمتم خير مقدم ، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قيل : وما الجهاد الأكبر؟ قال : مجاهدة العبد هواه». وروي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه رجع من غزوة تبوك ، فقال : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» (١).
(هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم لدينه ولنصرته ، وفيه تنبيه على مقتضي الجهاد والداعي إليه.
(حَرَجٍ) ضيق وعسر ومشقة ، بتكليفكم ما يشق عليكم ، بأن سهله عند الضرورات ، كقصر الصلاة الرباعية ، والتيمم ، وأكل الميتة ، والفطر للمريض والمسافر. وفيه إشارة إلى أنه لا عذر لأحد في ترك التكليف ، فهو إما عزيمة ، وإما رخصة ، قال صلىاللهعليهوسلم فيما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».
(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) أي شريعته ، وإنما جعل أبا للمسلمين ؛ لأنه أبو رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وهو كالأب لأمته ، من حيث إنه سبب لحياتهم الأبدية ، أو لأن أكثر العرب كانوا من ذريته ، فغلّبوا على غيرهم.
(مِنْ قَبْلُ) أي من قبل القرآن في الكتب المتقدمة. (وَفِي هذا) أي القرآن. (هُوَ سَمَّاكُمُ) الضمير يعود إلى الله ، بدليل قراءة : الله سماكم أو لإبراهيم ، لقوله المتقدم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ). (لِيَكُونَ الرَّسُولُ) متعلق بسماكم. (شَهِيداً عَلَيْكُمْ) يوم القيامة بأنه بلّغكم ، فيدل على قبول شهادته لنفسه ، اعتمادا على عصمته. (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بتبليغ الرسل إليهم ، أي تكونوا أنتم شهداء على الناس أن رسلهم بلّغوهم.
(فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) أي فتقربوا إلى الله بأنواع الطاعات ، لما خصكم بأنواع الفضل والشرف. (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) أي وثقوا به في مجامع أموركم ، ولا تطلبوا الإعانة والنصرة إلا منه. (هُوَ مَوْلاكُمْ) ناصركم ومتولي أموركم. (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) هو ؛ إذ لا مثل له في الولاية والنصرة ، بل لا مولى ولا ناصر سواه في الحقيقة.
__________________
(١) انظر تخريج الحديث ودرجة ضعفه في كشف الخفا.