(قالُوا : مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا)؟ أي قال عبدة الأوثان قوم إبراهيم ، النمروذ وأتباعه ، على سبيل الوعيد والتوبيخ ، حين رجعوا وشاهدوا تحطيم آلهتهم : من الذي كسر هذه الآلهة؟ وتعبيرهم بالآلهة تشنيع وتهويل ، ومبالغة في التعنيف.
(إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي إن هذا الفاعل في صنيعه هذا لمن الذين ظلموا أنفسهم وعرّض نفسه للإهانة والعقاب ، إما لجرأته على الآلهة ، وإما لإفراطه في كسرها وتماديه في الاستهانة بها.
(قالُوا : سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ : إِبْراهِيمُ) قال بعضهم الذي سمع قوله المتقدم: (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) : سمعنا شابا يعيبهم ويتوعدهم يسمى إبراهيم ، فهو الذي فعل بهم هذا. قال ابن عباس : ما بعث الله نبيا إلا شابا ، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب ، وتلا هذه الآية : (قالُوا : سَمِعْنا فَتًى ..).
وظاهر الآية يدل على أن القائلين جماعة لا واحد ، فقد كان يناقشهم ويقول : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) فغلب على أذهانهم أنه الفاعل.
(قالُوا : فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) أي قال نمروذ وأشراف قومه : إذن فأتوا به على مرأى ومسمع من الناس في الملأ الأكبر ، بحضرة الناس كلهم ، حتى يروه ويشهدوا عليه ، فلا يأخذوه بغير بينة ، أو حتى يبصروا ما يصنع به فيكون عبرة. وكان هذا هو مقصود إبراهيم عليهالسلام أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم ، وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تمنع عن نفسها ضرا ولا تنصر أحدا.
(قالُوا : أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ)؟ أي فلما أتوا به ـ وهذا كلام محذوف مفهوم ـ قالوا له : أأنت الذي كسرت هذه الأصنام؟ فأجابهم :