وفي هذا القول تنبيه إلى ضرورة التأمل في شأنها ، وأنها لا تغني عنهم شيئا ، لكنهم لم يفعلوا ، وأصروا على تقليد الأسلاف دون برهان ، فقالوا :
(قالُوا : وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) أي لا حجة لنا سوى تقليد الآباء واتباع الأسلاف ، وكفى بذلك ضعفا وسذاجة ، فوبخهم إبراهيم عليهالسلام على ما يفعلون :
(قالَ : لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي قال إبراهيم لأبيه وقومه : لا فرق بينكم وبين آبائكم ، فأنتم وهم في ضلال بيّن واضح ، على غير منهج الحق والطريق المستقيم. وهذا تنبيه إلى أن سوء الرأي لا يغيره تقادم الزمن ، ومضي الأيام.
فتعجبوا من قوله وسألوه :
(قالُوا : أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) أي ما هذا الكلام الصادر عنك ، أتقوله لاعبا هازلا مازحا أم محقا جادّا فيه ، فإنا لم نسمع به قبلك؟
فأجابهم إبراهيم بعد إنكاره عبادة الأصنام بما يبين الحق ، ويرشد إلى الإله المستحق للعبادة :
(قالَ : بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) أي قال إبراهيم : إني أتكلم بالجد والحق ، لا بالهزل واللعب ، فإن الرب المستحق للعبادة هو مالك السموات والأرض الذي خلقها وكونها وأنشأها من العدم ، على غير مثال سابق ، وهو الخالق لجميع الأشياء ، وهو الرب الذي لا إله غيره.
(وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره ، ولا رب سواه. والخلاصة : أنه أظهر لهم أنه مجدّ في إظهار الحق الذي هو التوحيد بالقول أولا وهو ما قاله ، ثم بالفعل ثانيا. لذا أقسم إبراهيم الخليل قسما أسمعه بعض قومه :