بدليل قوله بعدئذ : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) أي هل نحن الغالبون أم هم؟ فكيف يتوهمون غلبتهم؟ فهم المغلوبون الأخسرون ، وهو استفهام بمعنى التقرير والتقريع.
ويرى بعض علماء العصر أن في الآية دلالة واضحة على نقص أطراف الكرة الأرضية في الشمال والجنوب ، وأنها غير كاملة التكوير والاستدارة ، وذات تفلطح ، وهو ما يعبر عنه بالخط الإهليلجي في القطب الشمالي والجنوبي ، مما يدل على قدرة الله تعالى ، وقوة سلطانه ، وتحكمه في الأرض أثناء دورانها.
وبعد أن كرر تعالى إيراد الأدلة في القرآن على وجود الله وقدرته وتوحيده ، وبالغ في التنبيه عليها ، أتبعه بقوله :
(قُلْ : إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) أي قل أيها النبي : إني إنما أنذركم بالقرآن الذي هو كلام ربكم ، وإنما أنا مبلّغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال ، فلا تظنوا أن ذلك من قبلي ، بل الله آتيكم به ، وأمرني بإنذاركم ، وعملي هو مجرد التبليغ لا الإلزام بالقبول ، فإن لم تجيبوا دعوتي ، فعليكم الوبال والنكال ، لا عليّ.
(وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) أي لا يجدي هذا الوحي من أعمى الله بصيرته ، وختم على سمعه وقلبه ، وما مثلهم حين لم ينتفعوا بما سمعوا من الإنذار ، على كثرته وتتابعه ، إلا مثل الصم الذين لا يسمعون شيئا أصلا ؛ إذ ليس الغرض من الإنذار مجرد السماع ، بل العمل بما يسمع ، والتمسك به ، بالإقدام على فعل الواجب ، والتحرز عن المحرّم ، ومعرفة الحق ، فإذا لم يتحقق هذا الغرض فلا فائدة في السماع. ثم بيّن تعالى أن حالهم سيتغير ، فيصبحون سريعي التأثر بما ينذرون ، ويعترفون بما لا ينتفعون ، فقال :
(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ : يا وَيْلَنا ، إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أى ولئن مس أو أصاب هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله يوم القيامة ،