ليعترفن بذنوبهم ، وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم في الدنيا ، ويظهرون الندامة على ما فرط منهم ، ويتنادون بالويل والهلاك ، ولا فائدة من ذلك. قال الزمخشري في الكشاف : وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات : لفظ المس ، وما في النفح من معنى القلة والنزارة ، ولفظ المرة.
ثم بيّن الله تعالى أن جميع ما ينزل بهم في الآخرة لا يكون إلا عدلا ، فقال : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ، فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) أي ونضع الموازين العدل التي توزن بها صحائف الأعمال في يوم القيامة ، أو لأهل يوم القيامة ، فلا يلحق نفسا أي ظلم ، فهم إن ظلموا أنفسهم في الدنيا ، فلن يظلموا في الآخرة ، وقوله : (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) تأكيد عدالة الميزان ، وأنه لا ينقص ثواب أي نفس ما تستحقه.
والأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه. ووصفت الموازين بأنها عادلة ، لأن الميزان قد يكون مستقيما وقد يكون بخلافه.
والمراد بوضع الموازين : إرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والإنصاف ، من غير أن يظلم أحد مثقال ذرة ، أي أن المقصود من الوزن العدل بين الخلائق ، وقد مثل ذلك بوضع الموازين لتوزن بها الموزونات. وفي قول آخر هو الأرجح : المراد أنه تعالى يضع الموازين الحقيقة ، ويزن بها الأعمال. قال الحسن البصري : هو ميزان له كفتان ولسان. فمن رجحت حسناته على سيئاته ، كان من الناجين ، ومن غلبت سيئاته على حسناته ، كان من الهالكين. والقسط : العدل أي ليس في الموازين بخس ولا ظلم كما يكون في وزن الدنيا.
(وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار