وذلك كما قال تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) [الأنبياء ٢١ / ١١].
ثم لفت أنظارهم إلى ضرورة العبرة بما حدث وشاهدوا فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها ، أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) هذا حثّ على السفر ، والاتعاظ بالفكر ، والتأمل بالبصيرة ، أي هلا يسافر هؤلاء في البلاد ، فيتأملوا بما حدث من مصارع القوم ، وينظروا بأعينهم ما وقع ، ويشاهدوا آثارهم ، ويفكروا بعقولهم في النتائج ، ويسمعوا الأخبار بآذانهم ، ليقفوا على الحقائق ويطلعوا على الأسباب ، ويدركوا الأسرار ، فيعتبروا بما شاهدوا ورأوا ، ويقلعوا عما هم فيه من شرك وتكذيب لرسول الله ، وينيبوا إلى ربهم الذي خلقهم ، وأقام لهم الأدلة والبراهين في الكون على وجوده ووحدانيته.
(فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) أي ولكنهم لم يفكروا ولم يعتبروا ولم ينظروا ، لا لأنهم قوم عمي البصر ، وإنما هم عمي البصائر ، فليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، وإن كانت أبصارهم سليمة ، فإنهم عطلوا قدراتهم الفكرية وعقولهم ، فلم يتفحصوا حقائق الأمور ، ولم ينفذوا إلى العبر.
ذكر الرازي أن الآية تدل على أن العقل هو العلم ، وأن محل العلم هو القلب ؛ لأن المقصود من قوله : (قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) العلم ، وقوله : (يَعْقِلُونَ بِها) كالدلالة على أن القلب آلة لهذا التعقل (١). وأضاف العقل إلى القلب ؛ لأنه محله ، كما أن السمع محله الأذن.
وبعد أن أبان تعالى ما هم عليه من التكذيب ، ذكر أنهم قوم طائشون ، حمقى ، يستهزئون بحلول العذاب ، فقال :
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٣ / ٤٥