العذاب عن الكافرين وأخرتهم إلى الوقت المعلوم عندي ، ثم أخذتهم بالعذاب والعقوبة وأهلكتهم ، فانظر كيف كان إنكاري عليهم بتدميرهم ومعاقبتي لهم؟!
ويلاحظ أنه لم يقل : وقوم موسى ؛ لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل ، وإنما كذبه غير قومه وهم القبط ، وفرعون وقومه.
وما جرى على المثيل يجري على مثيله ، فإني سأفعل بالمكذبين من قومك مثلما فعلت بأمثالهم ، وإن أمهلتهم ، فإني منجز وعدي فيهم : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج ٨٥ / ١٢] فلا تتعجل العذاب.
ذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه : أنا ربكم الأعلى ، وبين إهلاك الله أربعون سنة. وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى ، وَهِيَ ظالِمَةٌ ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
هذه هي سنة التكذيب ، وأما العقاب فهو كما قال تعالى :
(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ... قَصْرٍ مَشِيدٍ) أي كم من قرية أهلكتها ، وهي ظالمة أي مكذبة لرسلها ، والمراد أهلها ، فأصبحت ديارهم ساقطة حيطانها على سقوفها ، أي قد قربت منازلها ، وتعطلت حواضرها ، أو أصبحت خالية من أهلها مع بقاء عروشها على حالها وسلامتها.
وكم من بئر معطلة أي لا يستقى منها ، ولا يردها أحد بعد كثرة وارديها ، والازدحام عليها ، وكم من قصر مشيد دمّر أو بقي بعد فناء أهله؟! والمشيد : المجصص : المبيض بالجص ، أو المرفوع البنيان.
والمعنى الإجمالي للآية : كم قرية أهلكناها ، وكم بئر عطلناها عن سقاتها ، وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه ، فترك ذلك ، لدلالة (مُعَطَّلَةٍ) عليه؟!