قال ابن عباس ومقاتل : لما نزلت : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) قال ابن أم مكتوم : يا رسول الله ، أنا في الدنيا أعمى ، أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) المتوعد به. (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) بإنزال العذاب ، لامتناع الخلف في خبره ، فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين ، ولكنه صبور لا يعجل بالعقوبة. (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) من أيام الآخرة بسبب العذاب. (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) في الدنيا ، وهو بيان لتناهي صبره وتأنيه.
نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث ، لقوله : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الأعراف ٧ / ٧٠] وقيل : نزلت في أبي جهل بن هشام ، لقوله : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال ٨ / ٣٢].
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي من أهل قرية ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب. (أَمْلَيْتُ لَها) أمهلتها كما أمهلتكم. (وَهِيَ ظالِمَةٌ) مثلكم. (ثُمَّ أَخَذْتُها) بالعذاب أي أخذت أهلها. (الْمَصِيرُ) المرجع ، أي وإلى حكمي مرجع الجميع.
المناسبة :
بعد أن بين الله تعالى أن المشركين الكفار أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق ، وأذن في مقاتلتهم ، وضمن للرسول والمؤمنين النصرة عليهم ، أردفه بما يجري مجرى التسلية للرسولصلىاللهعليهوسلم في الصبر على ما هم عليه من إيذائه وإيذاء المؤمنين بالتكذيب وغيره ، ممن خالفه من قومه.
التفسير والبيان :
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ .. نَكِيرِ) أي إن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون ، فلست فريدا في هذا ولا بدعا من الرسل ، وإنما هي سنة الأمم الغابرة ، فقد كذبت قبلهم قوم نوح ، وعاد قوم هود ، وثمود قوم صالح ، وقوم إبراهيم ولوط ، وأصحاب مدين قوم شعيب ، وكذب القبط الذين أرسل إليهم موسى ، مع ما جاءهم به أنبياؤهم من الآيات البينات والدلائل الواضحات ، فأنظرت