جاء هؤلاء الملائكة إلى لوط بهيئة غلمان مرد حسان الوجوه ، فجاء جماعة من سدوم إلى لوط ، طالبين ضيوفه ، ليفعلوا فيهم الفاحشة ، فحاول لوط جاهدا في ردهم ، وبالغ في ذلك حتى طلب إليهم أن يأخذوا بناته بطريق العرض غير المؤكد وبالزواج المشروع ، اعتمادا على استحيائهم منه ، ليحمي ضيوفه. فلم يرضوا. ثم قال لوط للملائكة الذين لم يعلم أنهم ملائكة : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود ١١ / ٨٠] أي لجاهدتهم بكم وعاقبتهم بما يستحقون ، وحينئذ أعلموه بحقيقة أمرهم ، وأنهم جاؤوا للتنكيل بأولئك القوم.
ولما حاول أهل القرية أخذ هؤلاء المردان بالقوة ، وهجموا على بيت لوط ، طمس الله أعينهم ، فلم يبصروا ، ولم يهتدوا إلى مكان الاقتحام. ثم أخرج الملائكة لوطا وابنتيه وزوجه من القرية ، وأمروهم ألا يلتفت منهم أحد ، وأن يحضروا حيث يؤمرون ، فصدعوا بالأمر إلا امرأته فإنها التفتت إلى القرية لترى ما يحل بها ، وكانت متعلقة بهم ، وكانت كافرة ، فحل بها من العذاب ما حل بهم ، وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل ، وقلبت ديار القوم ، وكانوا ألفا أو أكثر (١).
قال تعالى : (قالُوا : يا لُوطُ ، إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ، لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ، وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ، إِلَّا امْرَأَتَكَ ، إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها ، وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ...) [هود ١١ / ٨١ ـ ٨٢].
التفسير والبيان :
واذكر لوطا حين قال لقومه موبخا لهم : أتفعلون الفعلة الفاحشة التي ما فعلها أحد قبلكم في أي زمان ، بل هي مبتدعة منكم ، وعليكم وزر كل من
__________________
(١) قصص الأنبياء للأستاد عبد الوهاب النجار : ١١٣ ، ط الرابعة.