يفعلها. وهذا يدل على أنها أمر مناقض للفطرة. وقوله : (ما سَبَقَكُمْ بِها) الباء للتعدية. وقوله (مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) من الأولى زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق ، والثانية للتبعيض.
إنكم تأتون الرجال في أدبارهم وتدعون الزواج بالنساء في أقبالهن ، أي إنكم عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن ، إلى إتيان الرجال ، وهذا شذوذ وإسراف منكم وجهل ؛ لأنه وضع الشيء في غير محله ، ولهذا قال لهم في الآية الأخرى : (هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) [الحجر ١٥ / ٧١]. فأرشدهم إلى جنس النساء ، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن.
وقوله : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) بيان لقوله : (تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ).
وفي هذا تقريع لهم وتوبيخ شديد ، وقوله : (مِنْ دُونِ النِّساءِ) إشارة إلى أنهم تجاوزوا النساء ، وهن محل قضاء الشهوة عند ذوي الفطر السليمة.
(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي إنكم لا تأتون الفاحشة ثم تندمون على فعلها ، بل إنكم قوم عادتكم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء ، فمن ثم أسرفوا في حال قضاء الشهوة ، حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتاد ، ونحوه قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) [الشعراء ٢٦ / ١٦٦] أي في جمعكم إلى الشرك هذه الفاحشة.
ووصفهم بصفة أخرى في سورة النمل : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [٥٥]. وفي هذا دليل على إسرافهم في اللذات ، وتجاوزهم حدود العقل والفطرة ، وجهالتهم عواقب الأمور ؛ إذ أنهم لا يقدرون ضرر ذلك على الصحة ، وما يحدثه من مرض ثبت في العصر الحديث أنه مميت.
وما كان جوابهم عن هذا الإنكار والنصح شيئا مقنعا ، أو رجوعا عن الخطأ والضلال وإنكار الفاحشة وتعظيم أمرها ، وإنما هموا بإخراج لوط ونفيه ومن معه