وبعد فقد حصل في الاختلاف بين أسلوب الآيتين تفنن كما تقدم في المقدمة السابعة.
والأساطير : جمع أسطورة ، وهي القصة والحكاية. وتقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) في سورة النحل [٢٤]. والمعنى : ما هذا إلا كلام معاد قاله الأولون وسطّروه وتلقفه من جاء بعدهم ولم يقع شيء منه.
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩))
أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم هذه الكلمة ولذلك فصل فعل (قُلْ) وتقدم نظيره في سورة الأنعام [١١]. والمناسبة في الموضعين هي الموعظة بحال المكذبين لأن إنكارهم البعث تكذيب للرسول وإجرام. والوعيد بأن يصيبهم مثل ما أصابهم إلا أنها هنالك عطفت ب (ثُمَّ انْظُرُوا) وهنا بالفاء (فَانْظُرُوا) وهما متآئلان. وذكر هنالك (عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [الأنعام : ١١] وذكر هنا (عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) : والمكذبون مجرمون. والاختلاف بين الحكايتين للتفنن كما قدمناه في المقدمة السابعة.
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠))
كانت الرحمة غالبة على النبي صلىاللهعليهوسلم والشفقة على الأمة من خلاله ، فلما أنذر المكذبون بهذا الوعيد تحركت الشفقة في نفس الرسول عليه الصلاة والسلام فربط الله على قلبه بهذا التشجيع أن لا يحزن عليهم إذا أصابهم ما أنذروا به. وكان من رحمتهصلىاللهعليهوسلم حرصه على إقلاعهم عما هم عليه من تكذيبه والمكر به ، فألقى الله في روعه رباطة جاش بقوله (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ).
والضيق : بفتح الضاد وكسرها ، قرأه الجمهور بالفتح ، وابن كثير بالكسر. وحقيقته : عدم كفاية المكان أو الوعاء لما يراد حلوله فيه ، وهو هنا مجاز في الحالة الحرجة التي تعرض للنفس عند كراهية شيء فيحس المرء في مجاري نفسه بمثل ضيق عرض لها. وإنما هو انضغاط في أعصاب صدره. وقد تقدم عند قوله (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) في آخر سورة النحل [١٢٧].
والظرفية مجازية ، أي لا تكن ملتبسا ومحوطا بشيء من الضيق بسبب مكرهم.