حال أنفسهم عليها. قال تعالى : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) [إبراهيم : ٤٥].
(وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠))
لما كان سوق خبر قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرسّ وما بينهما من القرون مقصودا لاعتبار قريش بمصائرهم نقل نظم الكلام هنا إلى إضاعتهم الاعتبار بذلك وبما هو أظهر منه لأنظارهم ، وهو آثار العذاب الذي نزل بقرية قوم لوط.
واقتران الخبر بلام القسم لإفادة معنى التعجيب من عدم اعتبارهم كما تقدم في قوله : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) [الفرقان : ٢١]. وكانت قريش يمرّون بديار قوم لوط في أسفارهم للتجارة إلى الشام فكانت ديارهم يمرّ بها طريقهم قال تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات : ١٣٧ ، ١٣٨]. وكان طريق تجارتهم من مكة على المدينة ويدخلون أرض فلسطين فيمرّون حذو بحيرة لوط التي على شافتها بقايا مدينة «سدوم» ومعظمها غمرها الماء. وتقدم ذكر ذلك عند قوله تعالى : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) في سورة الحجر [٧٩].
والإتيان : المجيء. وتعديته ب (عَلَى) لتضمينه معنى : مرّوا ، لأن المقصود من التذكير بمجيء القرية التذكير بمصير أهلها فكأنّ مجيئهم إياها مرور بأهلها ، فضمّن المجيء معنى المرور لأنه يشبه المرور ، فإن المرور يتعلق بالسكان والمجيء يتعلق بالمكان فيقال : جئنا خراسان ، ولا يقال : مررنا بخراسان. وقال تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات : ١٣٧ ، ١٣٨].
ووصف القرية ب (الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) لأنها اشتهرت بمضمون الصلة بين العرب وأهل الكتاب. وهذه القرية هي المسماة «سدوم» بفتح السين وتخفيف الدال وكانت لقوم لوط قرى خمس أعظمها «سدوم». وتقدم ذكرها عند قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) في سورة الأعراف [٨٠].
و (مَطَرَ السَّوْءِ) هو عذاب نزل عليهم من السماء وهو حجارة من كبريت ورماد ، وتسميته مطرا على طريقة التشبيه لأن حقيقة المطر ماء السماء.