أي هذه ذكرى ، فذكرى في موضع رفع على الخبرية لمبتدإ محذوف دلت عليه قرينة السياق كقوله تعالى في سورة الأحقاف [٣٥] (بَلاغٌ) أي هذا بلاغ ، وفي سورة إبراهيم [٥٢] (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) وفي سورة ص [٤٩] (هذا ذِكْرٌ). والمعنى : هذه ذكرى لكم يا معشر قريش. وهذا المعنى هو أحسن الوجوه في موقع قوله : (ذِكْرى) وهو قول أبي إسحاق الزجاج والفراء وإن اختلفا في تقدير المحذوف قال ابن الأنباري : قال بعض المفسرين : ليس في الشعراء وقف تام إلّا قوله : (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) [الشعراء : ٢٠٨].
وقد تردد الزمخشري في موقع قوله : (ذِكْرى) بوجوه جعلها جميعا على اعتبار قوله: (ذِكْرى) تكملة للكلام السابق وهي غير خلية عن تكلف. والذكرى : اسم مصدر ذكّر.
وجملة : (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) يجوز أن تكون معطوفة على (ذِكْرى) أي نذكّركم ولا نظلم ، وأن تكون حالا من الضمير المستتر في (ذِكْرى) لأنه كالمصدر يقتضي مسندا إليه ، وعلى الوجهين فمفاد (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) الإعذار لكفار قريش والإنذار بأنهم سيحلّ بهم هلاك.
وحذف مفعول (ظالِمِينَ) لقصد تعميمه كقوله تعالى : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف : ٤٩].
[٢١٠ ـ ٢١٢] (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢))
عطف على جملة : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٩٢] وما بينهما اعتراض استدعاه تناسب المعاني وأخذ بعضها بحجز بعض تفننا في الغرض. وهذا رد على قولهم في النبي صلىاللهعليهوسلم : هو كاهن قال تعالى : (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [الطور : ٢٩] ، وزعمهم أن الذي يأتيه شيطان ؛ فقد قالت العوراء بنت حرب امرأة أبي لهب لما تخلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قيام الليل ليلتين لمرض : أرجو أن يكون شيطانك قد تركك. ولذلك كان من جملة ما راجعهم به الوليد بن المغيرة حين شاوره المشركون فيما يصفون النبي صلىاللهعليهوسلم وقالوا : نقول : كلامه كلام كاهن ، فقال : والله ما هو بزمزمته. وكلام الكهان في مزاعمهم من إلقاء الجن إليهم وإنما هي خواطر نفوسهم ينسبونها إلى شياطينهم المزعومة. نفي عن القرآن أن يكون من ذلك القبيل ، أي الكهان لا يجيش في نفوسهم