لِلَّهِ). وسواء قرئ بتشديد اللام من قوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا) أم بتخفيفها لأن مآل المعنى على القراءتين واحد وهو إنكار سجودهم لغير الله لأن الله هو الحقيق بالسجود.
(قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧))
تقدم عند قوله : (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) [النمل : ٢٢] بيان وجه تطلب سليمان تحقيق صدق خبر الهدهد. والنظر هنا نظر العقل وهو التأمّل ، لا سيما وإقحام (كُنْتَ) أدخل في نسبته إلى الكذب من صيغة (أَصَدَقْتَ) لأن فعل (كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) يفيد الرسوخ في الوصف بأنه كائن عليه. وجملة : (مِنَ الْكاذِبِينَ) أشدّ في النسبة إلى الكذب بالانخراط في سلك الكاذبين بأن يكون الكذب عادة له. وفي ذلك إيذان بتوضيح تهمته بالكذب ليتخلص من العقاب ، وإيذان بالتوبيخ والتهديد وإدخال الروع عليه بأنّ كذبه أرجح عند الملك ليكون الهدهد مغلّبا الخوف على الرجاء ، وذلك أدخل في التأديب على مثل فعلته وفي حرصه على تصديق نفسه بأن يبلغ الكتاب الذي يرسله معه.
(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨))
الجملة مبيّنة لجملة (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [النمل : ٢٧] لأن فيما سينكشف بعد توجيه كتابه إلى ملكة سبأ ما يصدق خبر الهدهد إن جاء من الملكة جواب عن كتابه ، أو يكذب خبر الهدهد إن لم يجىء منها جواب. ألهم الله سليمان بحكمته أن يجعل لاتصاله ببلاد اليمن طريق المراسلة لإدخال المملكة في حيّز نفوذه والانتفاع باجتلاب خيراتها وجعلها طريق تجارة مع شرق مملكته فكتب إلى ملكة سبأ كتابا لتأتي إليه وتدخل تحت طاعته وتصلح ديانة قومها ، وليعلم أن الله ألقى في نفوس الملوك المعاصرين له رهبة من ملكه وجلبا لمرضاته لأن الله أيّده وإن كانت مملكته أصغر من ممالك جيرانه مثل مملكة اليمن ومملكة مصر. وكانت مملكة سليمان يومئذ محدودة بالأردن وتخوم مصر وبحر الروم (١). ولم يزل تبادل الرسائل بين الملوك من سنة الدول ومن سنة الدعاة إلى الخير. وقد كتب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى كسرى وقيصر. وقد عظم شأن الكتابة في دول الإسلام ، قال الحريري في «المقامة الثانية والعشرين» : «والمنشئ جهنية الأخبار ، وحقيبة الأسرار ، وقلمه لسان الدولة ، وفارس الجولة ...» إلخ.
__________________
(١) انظر الإصحاح ٤ من سفر الملوك الأولى.