آل عمران.
(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣))
جواب بأسلوب المحاورة فلذلك فصل ولم يعطف كما هي طريقة المحاورات.
أرادوا من قولهم : نحن ، جماعة المملكة الذين هم من أهل الحرب. فهو من أخيار عرفاء القوم عن حال جماعاتهم ومن يفوض أمرهم إليهم. والقوة : حقيقتها ومجازها تقدم عند قوله تعالى : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) في سورة الأعراف [١٤٥]. وأطلقت على وسائل القوة كما تقدم في قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) في سورة الأنفال [٦٠] ، أي وسائل القدرة على القتال والغلبة ، ومن القوة كثرة القادرين على القتال والعارفين بأساليبه.
والبأس : الشدة على العدوّ ، قال تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) [البقرة : ١٧٧] أي في مواقع القتال ، وقال : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) [الحشر : ١٤] ، وهذا الجواب تصريح بأنهم مستعدون للحرب للدفاع عن ملكهم وتعريض بأنهم يميلون إلى الدفع بالقوة إن أراد أن يكرههم على الدخول تحت طاعته لأنهم حملوا ما تضمنه كتابه على ما قد يفضي إلى هذا.
ومع إظهار هذا الرأي فوّضوا الأمر إلى الملكة لثقتهم بأصالة رأيها لتنظر ما تأمرهم فيمتثلونه ، فحذف مفعول (تَأْمُرِينَ) ومتعلقه لظهورهما من المقام ، والتقدير : ما تأمريننا به ، أي إن كان رأيك غير الحرب فمري به نطعك.
وفعل (فَانْظُرِي) معلق عن العمل بما بعده من الاستفهام وهو (ما ذا تَأْمُرِينَ).
وتقدم الكلام على (ما ذا) في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) في سورة النحل [٢٤].
[٣٤ ، ٣٥] (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥))
(قالَتْ) جواب محاورة فلذلك فصل.
أبدت لهم رأيها مفضّلة جانب السلم على جانب الحرب ، وحاذرة من الدخول تحت سلطة سليمان اختيارا لأن نهاية الحرب فيها احتمال أن ينتصر سليمان فتصير مملكة سبأ إليه ، وفي الدخول تحت سلطة سليمان إلقاء للمملكة في تصرفه ، وفي كلا الحالين يحصل