فتسير جميع أمور الأمة على عدل. ويضرب الله الأمثال للناس ، فضرب هذا المثل لنبيه سليمان بالوحي من دلالة نملة ، وذلك سر بينه وبين ربّه جعله تنبيها له وداعية لشكر ربّه فقال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ).
وأوزع : مزيد (وزع) الذي هو بمعنى كفّ كما تقدم آنفا ، والهمزة للإزالة ، أي أزال الوزع ، أي الكف. والمراد أنه لم يترك غيره كافّا عن عمل وأرادوا بذلك الكناية عن ضد معناه ، أي كناية عن الحث على العمل. وشاع هذا الإطلاق فصار معنى أوزع أغرى بالعمل. فالمعنى : وفّقني للشكر ، ولذلك كان حقّه أن يتعدى بالباء.
فمعنى قوله : (أَوْزِعْنِي) ألهمني وأغرني. و (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) منصوب بنزع الخافض وهو الباء. والمعنى : اجعلني ملازما شكر نعمتك. وإنما سأل الله الدوام على شكر النعمة لما في الشكر من الثواب ومن ازدياد النعم ، فقد ورد : النعمة وحشية قيّدوها بالشكر فإنها إذا شكرت قرّت. وإذا كفرت فرّت (١). ومن كلام الشيخ ابن عطاء الله : «من لم يشكر النعمة فقد تعرّض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها». وفي «الكشاف» عند قوله : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) [لقمان : ١٢] وفي كلام بعض المتقدمين «أن كفران النعم بوار ، وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر ، واستدم راهنها بكرم الجوار ، واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقارا» (٢).
وأدرج سليمان ذكر والديه عند ذكره إنعام الله تعالى عليه لأن صلاح الولد نعمة على الوالدين بما يدخل عليهما من مسرة في الدنيا وما ينالهما من دعائه وصدقاته عنهما من الثواب.
ووالداه هما أبوه داود بن يسّي وأمه (بثشبع) بنت (اليعام) وهي التي كانت زوجة (أوريا) الحثّي فاصطفاها داود لنفسه (٣) ، وهي التي جاءت فيها قصة نبأ الخصم المذكورة في سورة ص.
__________________
(١) ذكره الطيبي في حاشية «الكشاف» ولم أقف عليه.
(٢) لم يذكر شراح «الكشاف» اسم هذا المتقدم المعزو إليه الكلام وأقشعت : تفرقت. والراهن : الدائم. ورجعت في نصابها أي في أصلها وقرارها. والوقار الحلم ، أي مالكم لا تظنون أن تأثير العذاب حلم من الله عليكم يوشك أن يزول.
(٣) الإصحاح ١١ والإصحاح ١٢ ، من سفر صمويل الثاني ، والإصحاح ٢ من سفر الملوك الأول.