والشرذمة : الطائفة القليلة من الناس ، هكذا فسره المحققون من أئمة اللغة ، فإتباعه بوصف (قَلِيلُونَ) للتأكيد لدفع احتمال استعمالها في تحقير الشأن أو بالنسبة إلى جنود فرعون ، فقد كان عدد بني إسرائيل الذين خرجوا ستمائة ألف ، هكذا قال المفسرون ، وهو موافق لما في سفر العدد من التوراة في الإصحاح السادس والعشرين.
و (قَلِيلُونَ) خبر ثان عن اسم الإشارة ، فهو وصف في المعنى لمدلول (هؤُلاءِ) وليس وصفا لشرذمة ولكنه مؤكد لمعناها ، ولهذا جيء به بصيغة جمع السلامة الذي هو ليس من جموع الكثرة.
و (قليل) إذا وصف به يجوز مطابقته لموصوفه كما هنا ، ويجوز ملازمته الإفراد والتذكير كما قال السموأل أو الحارثي :
وما ضرّنا أنا قليل ... البيت
ونظيره في ذلك لفظ (كثير) وقد جمعهما قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) [الأنفال : ٤٣].
و «غائظون» اسم فاعل من غاظه الذي هو بمعنى أغاظه ، أي جعله ذا غيظ. والغيظ : أشد الغضب. وتقدم في قوله تعالى : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) في آل عمران [١١٩] ، وقوله : (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) في سورة براءة [١٥] ، أي وأنهم فاعلون ما يغضبنا.
واللام في قوله : (لَنا) لام التقوية واللام في (لَغائِظُونَ) لام الابتداء ، وتقديم (لَنا) على (لَغائِظُونَ) للرعاية على الفاصلة.
وقوله : (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) حثّ لأهل المدائن على أن يكونوا حذرين على أبلغ وجه إذ جعل نفسه معهم في ذلك بقوله : (لَجَمِيعٌ) وذلك كناية عن وجوب الاقتداء به في سياسة المملكة ، أي إنا كلّنا حذرون ، فجميع وقع مبتدأ وخبره (حاذِرُونَ) ، والجملة خبر إن ، و (جميع) بمعنى : (كل) كقوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) في سورة يونس [٤].
و (حاذِرُونَ) قرأه الجمهور بدون ألف بعد الحاء فهو جمع حذر وهو من أمثلة المبالغة عند سيبويه والمحققين. وقرأ حمزة وعاصم والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر وخلف بألف بعد الحاء جمع (حاذر) بصيغة اسم الفاعل. والمعنى : أن الحذر من شيمته