وسوء الوجوه : جعل المساءة عليها ، أي تسليط أسباب المساءة والكآبة عليكم حتى تبدو على وجوهكم لأن ما يخالج الإنسان من غم وحزن ، أو فرح ومسرة يظهر أثره على الوجه دون غيره من الجسد ، كقول الأعشى :
وأقدم إذا ما أعين الناس تفرق
أراد إذا ما تفرق الناس وتظهر علامات الفرق في أعينهم.
ودخول المسجد دخول غزو بقرينة التشبيه في قوله : (كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) المراد منه قوله : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) [الإسراء : ٥].
والتتبير : الإهلاك والإفساد.
و (ما عَلَوْا) موصول هو مفعول «يتبروا» ، وعائد الصلة محذوف لأنه متصل منصوب ، والتقدير : ما علوه ، والعلو علو مجازي وهو الاستيلاء والغلب.
ولم يعدهم الله في هذه المرة إلا بتوقع الرحمة دون رد الكرة ، فكان إيماء إلى أنهم لا ملك لهم بعد هذه المرة. وبهذا تبين أن المشار إليه بهذه المرة الآخرة هو ما اقترفه اليهود من المفاسد والتمرد وقتل الأنبياء والصالحين والاعتداء على عيسى وأتباعه ، وقد أنذرهم النبي ملّاخي في الإصحاحين الثالث والرابع من كتابه وأنذرهم زكرياء ويحيى وعيسى (١) فلم يرعووا فضربهم الله الضربة القاضية بيد الرومان.
وبيان ذلك : أن اليهود بعد أن عادوا إلى أورشليم وجددوا ملكهم ومسجدهم في زمن (داريوس) وأطلق لهم التصرف في بلادهم التي غلبهم عليها البابليون وكانوا تحت نفوذ مملكة فارس ، فمكثوا على ذلك مائتي سنة من سنة ٥٣٠ إلى سنة ٣٣٠ قبل المسيح ، ثم أخذ ملكهم في الانحلال بهجوم البطالسة ملوك مصر على أورشليم فصاروا تحت سلطانهم إلى سنة ١٦٦ قبل المسيح إذ قام قائد من إسرائيل اسمه (ميثيا) وكان من اللاويين فانتصر لليهود وتولى الأمر عليهم وتسلسل الملك بعده في أبنائه في زمن مليء بالفتن إلى سنة أربعين قبل المسيح. دخلت المملكة تحت نفوذ الرومانيين ، وأقاموا عليها أمراء من اليهود كان أشهرهم (هيرودس) ثم تمردوا للخروج على الرومانيين ، فأرسل فيصر رومية القائد (سيسيانوس) مع ابنه القائد (طيطوس) بالجيوش في حدود سنة أربعين بعد المسيح
__________________
(١) انظر الإصحاح الثالث من إنجيل مرقس الحوارى.