تشتمل عليه من احتقار آدم وتغليط الإرادة من تفضيله. فقد أعيد إنكار التفضيل بقوله : (أَرَأَيْتَكَ) المفيد الإنكار. وعلل الإنكار بإضمار المكر لذريته ، ولذلك فصلت جملة (قالَ أَرَأَيْتَكَ) عن جملة (قالَ أَأَسْجُدُ) كما وقع في قوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) [طه : ١٢٠].
و (أَرَأَيْتَكَ) تركيب يفتتح بها الكلام الذي يراد تحقيقه والاهتمام به. ومعناه : أخبرني عما رأيت ، وهو مركب من همزة استفهام ، و (رأى) التي بمعنى علم وتاء المخاطب المفرد المرفوع ، ثم يزاد على ضمير الخطاب كاف خطاب تشبه ضمير الخطاب المنصوب بحسب المخاطب واحدا أو متعددا. يقال : أرأيتك وأ رأيتكم كما تقدم في قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) في سورة الأنعام [٤٠]. وهذه الكاف عند البصريين تأكيد لمعنى الخطاب الذي تفيده تاء الخطاب التي في محل رفع ، وهو يشبه التوكيد اللفظي. وقال الفراء : الكاف ضمير نصب ، والتركيب : أرأيت نفسك. وهذا أقرب للاستعمال ، ويسوغه أن أفعال الظن والعلم قد تنصب على المفعولية ما هو ضمير فاعلها نحو قول طرفة :
فما لي أراني وابن عمي مالكا |
|
متى أذن منه ينأ عني ويبعد |
أي أرى نفسي.
واسم الإشارة مستعمل في التحقير ، كقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) [الأنبياء : ٣٦]. والمعنى أخبرني عن نيتك أهذا الذي كرمته عليّ بلا وجه.
وجملة (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) إلخ مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، وهي جملة قسمية ، واللام موطئة للقسم المحذوف مع الشرط ، والخبر مستعمل في الدعاء فهو في معنى قوله : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [ص : ٧٩].
وهذا الكلام صدر من إبليس إعرابا عما في ضميره وإنما شرط التأخير إلى يوم القيامة ليعم بإغوائه جميع أجيال ذرية آدم فلا يكون جيل آمنا من إغوائه.
وصدر ذلك من إبليس عن وجدان ألقي في نفسه صادف مراد الله منه فإن الله لما خلقه قدر له أن يكون عنصر إغواء إلى يوم القيامة وأنه يغوي كثيرا من البشر ويسلم منه قليل منهم.
وإنما اقتصر على إغواء ذرية آدم ولم يذكر إغواء آدم وهو أولى بالذكر ـ إذ آدم هو