عن ذلك كله بالإيمان.
و (ما قَدْ سَلَفَ) هو ما أسلفوه من الكفر وآثاره ، وهذا ، وإن كان قضية خاصة بالمشركين المخاطبين ، فهو شامل كل كافر لتساوي الحال.
ولفظ الغفران حقيقة شرعية في العفو عن جزاء الذنوب في الآخرة ، وذلك مهيع الآية فهو معلوم منها بالقصد الأول لا محالة ، ويلحق به هنا عذاب الله في الدنيا لقوله : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ).
واستنبط أئمتنا من هذه الآية أحكاما للأفعال والتبعات التي قد تصدر من الكفار في حال كفره فإذا هو أسلم قبل أن يؤاخذ بها هل يسقط عنه إسلامه التبعات بها.
وذلك يرجع إلى ما استقريته وأصّلته في دلالة آي القرآن على ما يصح أن تدل عليه ألفاظها وتراكيبها في المقدمة التاسعة من هذا التفسير ، فروى ابن العربي في «الأحكام» أن ابن القاسم ، وأشهب ، وابن وهب ، رووا عن مالك في هذه الآية : أن من طلّق في الشرك ثم أسلم فلا طلاق عليه ، ومن حلف يمينا ثم أسلم فلا حنث عليه فيها ، وروى عن مالك : إنما يعني عزوجل ما قد مضى قبل الإسلام من مال أو دم أو شيء ، قال ابن العربي وهو الصواب لعموم قوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) ، وإن ابن القاسم ، وابن وهب ، رويا عن مالك أن الكافر إذا افترى على مسلم أو سرق ثم أسلم يقام عليه الحد ، ولو زنى ثم أسلم أو اغتصب مسلمة ثم أسلم لسقط عنه الحد تفرقة بين ما كان حقا لله محضا وما كان فيه حق للناس.
وذكر القرطبي عن ابن المنذر : أنه حكى مثل ذلك عن الشافعي ، وأنه احتج بهذه الآية ، وفي «المدونة» تسقط عنه الحدود كلها.
وذكر في «الكشاف» عن أبي حنيفة أن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة ، وأما الذميّ فلا يلزمه قضاء حقوق الله وتبقى عليه حقوق الآدميين ، واحتج بهذه الآية ، وفي كتب الفتوى لعلماء الحنفية بعض مخالفة لهذا ، وحكوا في المرتد إذا تاب وعاد إلى الإسلام أنه لا يلزمه قضاء ما فاته من الصلاة ولا غرم ما أصاب من جنايات ومتلفات. وعن الشافعي يلزم ذلك كله وهو ما نسبه ابن العربي إلى الشافعي بخلاف ما نسبه إليه ابن المنذر كما تقدم وعن أبي حنيفة يسقط عنه كل حق هو لله ولا يسقط عنه حق الناس وحجة الجميع هذه الآية تعميما وتخصيصا بمخصصات أخرى.