والتقدير : ولا يحسبنّ حاسب.
وقوله : (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) قرأه الجمهور ـ بكسر همزة (إِنَّهُمْ) استئناف بياني جوابا عن سؤال تثيره جملة : ولا تحسبن (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) وقرأ ابن عامر أنهم بفتح همزة (أنّ) على حذف لام التعليل فالجملة في تأويل مصدر هو علة للنهي ، أي لأنّهم لا يعجزون ، قال في «الكشّاف» : كلّ واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل إلّا أنّ المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح.
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠))
عطف جملة : (وَأَعِدُّوا) على جملة : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) [الأنفال : ٥٧] أو على جملة : ولا تحسبن (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) [الأنفال : ٥٩] ، فتفيد مفاد الاحتراس عن مفادها ، لأنّ قوله : ولا تحسبن (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) يفيد توهينا لشأن المشركين ، فتعقيبه بالأمر بالاستعداد لهم : لئلا يحسب المسلمون أنّ المشركين قد صاروا في مكنتهم ، ويلزم من ذلك الاحتراس أنّ الاستعداد لهم هو سبب جعل الله إيّاهم لا يعجزون الله ورسوله ، لأنّ الله هيّأ أسباب استئصالهم ظاهرها وباطنها.
والإعداد التهيئة والإحضار ، ودخل في (مَا اسْتَطَعْتُمْ) كلّ ما يدخل تحت قدرة الناس اتّخاذه من العدّة.
والخطاب لجماعة المسلمين وولاة الأمر منهم ، لأنّ ما يراد من الجماعة إنّما يقوم بتنفيذه ولاة الأمور الذين هم وكلاء الأمّة على مصالحها.
والقوة كمال صلاحية الأعضاء لعملها وقد تقدّمت آنفا عند قوله : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الأنفال : ٥٢] وعند قوله تعالى : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) وتطلق القوة مجازا على شدّة تأثير شيء ذي أثر ، وتطلق أيضا على سبب شدّة التأثير ، فقوة الجيش شدة وقعه على العدوّ ، وقوته أيضا سلاحه وعتاده ، وهو المراد هنا ، فهو مجاز مرسل بواسطتين ، فاتّخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور الماضية ، واتّخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوّة في جيوش عصرنا. وبهذا الاعتبار يفسر ما روى مسلم والترمذي عن عقبة بن عامر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية على المنبر ثم قال «ألا