القادر على نفع أوليائه ومطيعيه لا يحول بينه وبين إيصال النفع إليهم الإخفاء حال من يخلص إليه ، فلما أخبروا بأن الله مطلع على انتهائهم عن الكفر إن انتهوا عنه وكان ذلك لا يظن خلافه علم أن المقصود لازم ذلك.
وقرأ الجمهور : (يَعْمَلُونَ) ـ بياء الغائب ـ وقرأه رويس عن يعقوب ـ بتاء الخطاب.
والتولي : الإعراض وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) في سورة العقود [٩٢].
والمولى الذي يتولى أمر غيره ويدفع عنه وفيه معنى النصر.
والمعنى وإن تولوا عن هاته الدعوة فالله مغن لكم عن ولائهم ، أي لا يضركم توليهم فقوله : (أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) يؤذن بجواب محذوف تقديره : فلا تخافوا توليهم فإن الله مولاكم وهو يقدر لكم ما فيه نفعكم حتى لا تكون فتنة. وهذا كقول النبي صلىاللهعليهوسلم لمسيلمة الكذاب «ولئن توليت ليعفرنك الله» وإنما الخسارة عليهم إذ حرموا السلامة والكرامة.
وافتتاح جملة جواب الشرط ب (فَاعْلَمُوا) لقصد الاهتمام بهذا الخبر وتحقيقه ، أي لا تغفلوا عن ذلك ، كما مر آنفا عند قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤].
وجملة : (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) مستأنفة لأنها إنشاء ثناء على الله فكانت بمنزلة التذييل.
وعطف على (نِعْمَ الْمَوْلى) قوله : (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) لما في المولى من معنى النصر كما تقدم وقد تقدم بيان عطف قوله تعالى : (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) على قوله : (حَسْبُنَا اللهُ) سورة آل عمران [١٧٣].
(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١))
انتقال لبيان ما أجمل من حكم الأنفال ، الذي افتتحته السورة ، ناسب الانتقال إليه ما جرى من الأمر بقتال المشركين إن عادوا إلى قتال المسلمين. والجملة معطوفة على جملة (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [الأنفال : ٣٩].