صلة ثالثة ل (الْمُؤْمِنُونَ) أو حال منه ، وجعلت فعلا مضارعا للدلالة على تكرر ذلك منهم ، ووصفهم بالتوكل على الله وهو الاعتماد على الله في الأحوال والمساعي ليقدر للمتوكل تيسيرا مرة ويعوضه عن الكسب المنهي عنه بأحسن منه من الحلال المأذون فيه. وتقدم تفسير التوكل عند قوله : (فَإِذا عَزَمْتَ ، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في سورة آل عمران [١٥٩].
ومناسبة هذا الوصف للغرض : أنهم أمروا بالتخلي عن الأنفال ، والرضى بقسمة الرسول صلىاللهعليهوسلم فيها ، فمن كان قد حرم من نفل قتيله يتوكل على الله في تعويضه بأحسن منه.
وتقديم المجرور في قوله : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) إما للرعاية على الفاصلة فهو من مقتضيات الفصاحة مع ما فيه من الاهتمام باسم الله ، وإما للتعريض بالمشركين ، لأنهم يتوكلون على إعانة الأصنام ، قال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) [مريم : ٨١] فيكون الكلام مدحا للمؤمنين ، وتعريضا بذم المشركين ، ثم فيه تحذير من أن تبقى في نفوس المؤمنين آثار من التعلق بما نهوا عن التعلق به ، لتوهمهم أنهم إذا فوّتوه فقد أضاعوا خيرا من الدنيا.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣))
وصفهم بأنهم الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله جاء بإعادة الموصول ، كما أعيد في قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) في سورة البقرة [٤] ، وذلك للدلالة على الانتقال ، في وصفهم ، إلى غرض آخر غير الغرض الذي اجتلب الموصول الأول لأجله ، وهو هنا غرض محافظتهم على ركني الإيمان : وهما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فلا علاقة للصلة المذكورة هنا بأحكام الأنفال والرضى بقسمها ، ولكنه مجرد المدح ، وعبر في جانب الصلاة بالإقامة للدلالة على المحافظة عليها وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) في سورة البقرة [٣]. وجيء بالفعلين المضارعين في (يُقِيمُونَ) و (يُنْفِقُونَ) للدلالة على تكرر ذلك وتجدده.
واعلم أن مقتضى الاستعمال في الخبر بالصلات المتعاطفة ، التي موصولها خبر عن مبتدأ أن تعتبر خبرا بعدة أشياء فهي بمنزلة أخبار متكررة ، ومقتضى الاستعمال في الاخبار المتعددة أن كل واحد منها يعتبر خبرا مستقلا عن المبتدأ فلذلك تكون كل صلة من هذه الصلات بمنزلة خبر عن المؤمنين وهي محصور فيها المؤمنون أي حالهم فيكون المعنى ،