وأسند الوجل إلى القلوب لأن القلب يكثر إطلاقه في كلام العرب على إحساس الإنسان وقرارة إدراكه ، وليس المراد به هذا العضو الصنوبري الذي يرسل الدم إلى الشرايين.
وقد أجملت الآية ذكر الله إجمالا بديعا ليناسب معنى الوجل ، فذكر الله يكون : بذكر اسمه ، وبذكر عقابه ، وعظمته ، وبذكر ثوابه ورحمته ، وكل ذلك يحصل معه الوجل في قلوب كمّل المؤمنين ، لأنه يحصل معه استحضار جلال الله وشدة بأسه وسعة ثوابه ، فينبعث عن ذلك الاستحضار توقع حلول بأسه ، وتوقع انقطاع بعض ثوابه أو رحمته ، وهو وجل يبعث المؤمن إلى الاستكثار من الخير وتوقي ما لا يرضي الله تعالى وملاحظة الوقوف عند حدود الله في أمره ونهيه ، ولذلك روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : «أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه».
وإذ قد كان المقصود من هذا الكلام حث المؤمنين على الرضى بما قسم النبيصلىاللهعليهوسلم من غنائم بدر ، وأن يتركوا التشاجر بينهم في ذلك ، ناسب الاقتصار على وجل قلوب المؤمنين عند ذكر الله ، والوجل حالين يحصلان للمؤمن عند ذكر الله والحال الآخر هو الأمل والطمع في الثواب فطوى ذكره هنا اعتمادا على استلزام الوجل إياه ، لأن من الوجل أن يجل ، من فوات الثواب أو نقصانه.
(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً).
التلاوة : القراءة واستظهار ما يحفظه التالي من كلام له أو لغيره يحكيه لسامعه ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) في البقرة[١٠٢].
وآيات الله القرآن ، سميت آيات ، لأن وحيها إلى النبي الأمّي صلىاللهعليهوسلم وعجز قومه ، خاصتهم وعامتهم عن الإتيان بمثلها فيه دلالة على صدق من جاء بها فلذلك سميت آيات.
ويسمى القرآن كله آية أيضا باعتبار دلالة جملته على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقد تقدم ذلك في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير.
وإسناد فعل زيادة الإيمان إلى آيات الله لأنها سبب تلك الزيادة للإيمان باعتبار حال من أحوالها ، وهو تلاوتها لاعتبار مجرد وجودها في صدر غير المتلوة عليه. وهذا الإسناد من المجاز العقلي إذ جعلت الآيات بمنزلة فاعل الزيادة في الإيمان.
فإنه لما لم يعرف الفاعل الحقيقي لزيادة الإيمان ، إذ تلك الزيادة كيفية نفسية