الطيب ، ولتشهير من كانوا يسرون الكفر ويظهرون الإيمان ، وفي جمعه بهذه الكيفية تذليل لهم وإيلام ، إذ يجعل بعضهم على بعض حتى يصيروا ركاما.
والركم : ضم شيء أعلى إلى أسفل منه ، وقد وصف السحاب بقوله : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) [النور : ٤٣].
واسم الإشارة ب (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) للتنبيه على أن استحقاقهم الخبر الواقع عن اسم الإشارة كان بسبب الصفات التي ذكرت قبل اسم الإشارة ، فإن من كانت تلك حاله كان حقيقا بأنه قد خسر أعظم الخسران ، لأنه خسر منافع الدنيا ومنافع الآخرة.
فصيغة القصر في قوله : (هُمُ الْخاسِرُونَ) هي للقصر الادعائي ، للمبالغة في اتصافهم بالخسران ، حتى يعد خسران غيرهم كلا خسران وكأنهم انفردوا بالخسران من بين الناس.
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨))
جرى هذا الكلام على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب ، والوعيد بالوعد ، والعكس فأنذرهم بما أنذر ، وتوعّدهم بما توعد ثم ذكّرهم بأنهم متمكنون من التدارك وإصلاح ما أفسدوا ، فأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم ما يفتح لهم باب الإنابة.
والجملة استيناف يصح جعله بيانيا لأن ما تقدم بين يديه من الوعيد وقلة الاكتراث بشأنهم ، وذكر خيبة مساعيهم ، مما يثير في أنفس بعضهم والسامعين أن يتساءلوا عما إذا بقي لهم مخلص ينجيهم من ورطتهم التي ارتبقوا فيها ، فأمر الرسول بأن يقول لهم هذا المقال ليريهم أن باب التوبة مفتوح ، والإقلاع في مكنتهم.
وأسند الفعل في الجملة المحكية بالقول إلى ضمير الغائبين لأنه حكاية بالمعنى روعي فيها جانب المخاطب بالأمر تنبيها على أنه ليس حظه مجرد تبليغ مقالة ، فجعل حظه حظ لمخبر بالقضية الذي يراد تقررها لديه قبل تبليغها ، وهو إذا بلغ إليهم يبلغ إليهم ما أعلم به وبلغ إليه ، فيكون مخبرا بخبر وليس مجرد حامل لرسالة.
والمراد بالانتهاء : الانتهاء عن شيء معلوم دل عليه وصف الكفر هنا وما تقدمه من أمثاله وآثاره من الانفاق للصد عن سبيل الله ، أي إن ينتهوا عن ذلك ، وإنما يكون الانتهاء