الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا). وقد مضى ذلك في سورة آل عمران [١٥٥] ، وبعد ففي هذا الوعيد بشارة أن النصر الحاسم سيكون للمسلمين وهو نصر يوم فتح مكة.
وجملة : (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) على هذا التفسير زيادة في تأييس المشركين من النصر ، وتنويه بفضل المؤمنين بأن النصر الذي انتصروه هو من الله لا بأسبابهم فإنهم دون المشركين عددا وعدة.
ومن المفسرين من جعل الخطاب بهذه الآية للمسلمين ، ونسب إلى أبيّ بن كعب وعطاء ، لكون خطاب المشركين بعد الهجرة قد صار نادرا ، لأنهم أصبحوا بعداء عن سماع القرآن ، فتكون الجملة مستأنفة استينافا بيانيا فإنهم لما ذكروا باستجابة دعائهم بقوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) [الأنفال : ٩] الآيات ، وأمروا بالثبات للمشركين ، وذكروا بنصر الله تعالى إياهم يوم بدر بقوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ـ إلى قوله ـ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) [الأنفال : ١٧ ، ١٨] كان ذلك كله يثير سؤالا يختلج في نفوسهم أن يقولوا أيكون كذلك شأننا كلما جاهدنا أم هذه مزية لوقعة بدر ، فكانت هذه الآية مفيدة جواب هذا التساؤل. فالمعنى : إن تستنصروا في المستقبل قوله فقد جاءكم الفتح ، والتعبير بالفعل الماضي في جواب الشرط للتنبيه على تحقيق وقوعه ، ويكون قوله (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) دليلا على كلام محذوف ، والتقدير : إن تستنصروا في المستقبل ننصركم فقد نصرناكم يوم بدر.
والاستفتاح على هذا التفسير كناية عن الخروج للجهاد ، لأن ذلك يستلزم طلب النصر ومعنى (وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي إن تمسكوا عن الجهاد حيث لا يتعين فهو أي الإمساك ، خير لكم لتستجمعوا قوتكم وأعدادكم ، فأنتم في حال الجهاد منتصرون ، وفي حال السلم قائمون بأمر الدين وتدبير شئونكم الصالحة ، فيكون كقول النبيصلىاللهعليهوسلم لا تمنّوا لقاء العدو ، وقيل المراد وإن تنتهوا عن التشاجر في أمر الغنيمة أو عن التفاخر بانتصاركم يوم بدر فهو خير لكم من وقوعه. وأما قوله : (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) على هذا التفسير فهو إن تعودوا إلى طلب النصر نعد فننصركم أي لا ينقص ذلك من عطائنا كما قال زهير :
سألنا فأعطيتكم وعدنا فعدتم |
|
ومن أكثر التسآل يوما سيحرم |
يعلّمهم الله صدق التوجه إليه ، ويكون موقع (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً) زيادة تقرير لمضمون (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) وقوله : (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) أي لا تعتمدوا إلّا على نصر الله.