العير ، وراموا اللحاق بالعير واعتذروا بضعف استعدادهم وأنهم يخرجوا لمقاتلة جيش ، وكانت العير لا تشتمل إلا على أربعين رجلا وكان النفير فيما قيل يشتمل على ألف رجل مسلّح ، فذلك معنى قوله تعالى : (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) أي تودون غنيمة بدون حرب ، فلما لم يطمعوا بلقاء الجيش وراموا لقاء العير كانوا يودون أن تحصل لهم غنيمة العير ولعل الاستشارة كانت صورية ، أمر الله بها نبيّه لتثبيت المسلمين لئلا تهن قوتهم النفسية إن أعلموا بأنهم سيلقون ذات الشوكة.
وقوله : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) عطف على جملة (وَتَوَدُّونَ) على احتمالي أن واوها للعطف أو للحال ، والمقصود من الإخبار بهذه الجمل الثلاث إظهار أن ما يودونه ليس فيه كمال مصلحتهم ، وأن الله اختار لهم ما فيه كمال مصلحتهم ، وإن كان يشق عليهم ويرهبهم فإنهم لم يطّلعوا على الأصلح بهم. فهذا تلطف من الله بهم.
والمراد من الإرادة هنا إرادة خاصة وهي المشيئة والتعلق التنجيزي للإرادة التي هي صفة الذات. فهذا كقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] أي يسّر بكم.
ومعنى (يُحِقَّ الْحَقَ) : يثبت ما يسمى الحق وهو ضد الباطل يقال : حق الشيء ، إذا ثبت قال تعالى : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) [الزمر : ١٩].
والمراد بالحق. هنا : دين الحق وهو الإسلام ، وقد أطلق عليه اسم الحق في مواضع كثيرة من القرآن كقوله : (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ) [الزخرف : ٢٩] الآية.
وإحقاقه باستيصال معانديه ، فأنتم تريدون نفعا قليلا عاجلا ، وأراد الله نفعا عظيما في العاجل والآجل. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وفي قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) جناس الاشتقاق. وفيه دلالة على أن أصل مادة الحق هو فعل حق. وأن أصل مادة الباطل هي فعل بطل. ونظيره قول النبي صلىاللهعليهوسلم للذين قالوا في التشهد السلام على الله فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : أن الله هو السلام.
وكلمات الله ما يدل على مراده وعلى كلامه النفسي ، حقيقة من أقوال لفظية يخلقها خلقا غير متعارف ليفهمها أحد البشر ويبلغها عن الله ، مثل القرآن ، أو مجازا من أدلة غير لفظية ، مثل ما يخاطب به الملائكة المحكي في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سبأ : ٢٣] وفسره قول رسول اللهصلىاللهعليهوسلم