الشيطان أعمال المشركين فيتم تعليق وقت قول المنافقين بوقت تزيين الشيطان أعمال المشركين ، وإنّما تطلب المناسبة لذكر هذا الخبر عقب الذي وليه هو ، وتلك هي أنّ كلا الخبرين يتضمّن قوّة جيش المشركين ، وضعف جيش المسلمين ، ويقين أولياء الشيطان بأنّ النصر سيكون للمشركين على المسلمين. فالخبر الأول عن طائفة أعانت المشركين بتأمينهم من عدوّ يخشونه فانحازت إليهم علنا ، وذلك يستلزم تقبيح ما أقحم المسلمون فيه أنفسهم إذ عمدوا إلى قتال قوم أقوياء. والخبر الثاني : عن طائفتين شوّهتا صنيع المسلمين حمّقتاهم ونسبتاهم إلى الغرور فأسرّوا ذلك ولم يبوحوا به ، وتحدّثوا به فيما بينهم ، أو أسرّوه في نفوسهم.
فنظم الكلام هكذا : وزيّن الشيطان للمشركين أعمالهم حين كان المنافقون يقبحون أعمال المسلمين ويصفونهم بالغرور وقلّة التدبير من اعتقادهم في دينهم الذي أوقعهم في هذا الغرور ويجول في نفوس الذين في قلوبهم مرض مثل هذا.
و «القول» هنا مستعمل في حقيقته ومجازه : الشامل لحديث النفس ، لأنّ المنافقين يقولون ذلك بألسنتهم ، وأمّا الذين في قلوبهم مرض وهم طائفة غير المنافقين ، بل هم من لم يتمكّن الإيمان من قلوبهم. فيقولونه في أنفسهم لما لهم من الشكّ في صدق وعد النبيصلىاللهعليهوسلم لأنّهم غير موالين للمنافقين ، ويجوز أن يتحدّثوا به بين جماعتهم.
و «المرض» هنا مجاز في اختلال الاعتقاد ، شبه بالمرض بوجه سوء عاقبته عليهم. وقد تقدّم في قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) في أول البقرة [١٠].
وأشاروا ب (هؤُلاءِ) إلى المسلمين الذين خرجوا إلى بدر ، وقد جرت الإشارة على غير مشاهد ، لأنّهم مذكورون في حديثهم أو مستحضرون في أذهانهم ، فكانوا بمنزلة الحاضر المشاهد لهم وهم يتعارفون بمثل هذه الإشارة في حديثهم عن المسلمين.
والغرور : الإيقاع في المضرّة بإيهام المنفعة ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) في سورة آل عمران [١٩٦] ، وقوله : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) في سورة الأنعام [١١٢].
والدين هو الإسلام ، وإسنادهم الغرور إلى الدين باعتبار ما فيه من الوعد بالنصر من نحو قوله : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٥] الآية ، أي غرّهم ذلك فخرجوا وهم عدد قليل للقاء جيش كثير ، والمعنى : إذ يقولون ذلك عند اللقاء وقبل