فقال المأمون : مثلك يعيب من لا يصطنعه ، ويعر من يجهل قدره ، فاعذرني في سالفك ، فإنك ستجدنا في مستأنفك.
أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن أحمد بن الحكم الواسطيّ ، حدّثني أحمد بن الحسن الكسائيّ ، حدّثنا سليمان بن الفضل النهرواني ، حدّثني يحيى بن أكثم قال : بت ليلة عند المأمون فعطشت في جوف الليل ، فقمت لأشرب ماء ، فرآني المأمون فقال : مالك ليس تنام يا يحيى؟ قلت : يا أمير المؤمنين أنا والله عطشان ، قال : ارجع إلى موضعك ، فقام والله إلى البرادة فجاءني بكوز ماء ، وقام على رأسي فقال اشرب يا يحيى ، فقلت : يا أمير المؤمنين فهلا وصيف أو وصيفة ، فقال : إنهم نيام ، قلت : فأنا كنت أقوم للشرب ، فقال لي : لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه. ثم قال يا يحيى ، فقلت لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : ألا أحدثك ، قلت : بلى يا أمير المؤمنين.
قال : حدّثني الرّشيد قال : حدّثني المهديّ قال : حدّثني المنصور عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : حدّثني جرير بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «سيد القوم خادمهم» (٢).
أخبرنا الحسن بن علي الجوهريّ ، أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني ، حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى المكي ، حدّثنا محمّد بن القاسم بن خلّاد عن يحيى بن أكثم قال : ما رأيت أكرم من المأمون ، بت عنده ليلة فعطش وقد نمنا ، فكره أن يصيح بالغلمان فأنتبه ـ وكنت منتبها ـ فرأيته قد قام يمشي قليلا قليلا إلى البرادة ، وبينه وبينها بعيد ، حتى شرب ورجع.
قال يحيى : ثم بت عنده ونحن بالشام وما معي أحد فلم يحملني النوم ، فأخذ المأمون سعال فرأيته يسد فاه بكم قميصه كي لا أنتبه ، ثم حملني آخر الليل النوم ، وكان له وقت يقوم فيه يستاك ، فكره أن ينبهني ، فلما ضاق الوقت عليه تحركت فقال : الله أكبر ، يا غلمان نعل أبي محمّد.
قال يحيى بن أكثم : وكنت أمشي يوما مع المأمون في بستان موسى في ميدان البستان، والشمس علىّ وهو في الظل ، فلما رجعنا قال لي كن الآن أنت في
__________________
(٢) انظر الحديث في : كشفا الخفا ١ / ٥٦١ ، ٥٦٢. والدرر المنتثرة ٩٥. ومشكاة المصابيح ٣٩٢٥. وكنز العمال ١٧٥١٦ ، ١٧٥١٨ ، ٢٤٨٣٤ ، ٢٤٨٣٥.