الواردة في هذا الباب انما هو اعتبار معرفة المضمون عنه ولو بوجه ما ، والحكم بالصحة فيما ذكروه يتوقف على الدليل ، لأن الأصل براءة الذمة ، والحكم باشتغالها يحتاج الى دليل واضح ، والركون الى هذه التعليلات العليلة مجازفة محضة كما عرفت ، ودعوى العموم في بعض روايات الضمان ـ على وجه يشمل هذه الصورة ـ ممنوعة ، وبذلك يظهر أن الأظهر في الاحتجاج على اعتبار ذلك انما هو كونه هو الوارد في النصوص ، لا ما عللوا به من القصد الذي تطرقت اليه هذه المناقشة. والله العالم.
الثالث ـ المشهور عند الأصحاب اشتراط رضا المضمون له في صحة الضمان ، وعللوه بأن حقه يتحول من ذمة غريمه إلى ذمة الضامن ، والناس يختلفون في حسن المعاملة وسهولة القضاء ، فلو لم يعتبر رضاه لزم الضرر والغرر ، ونقل عن الشيخ قول بعدم اشتراط رضاه ، محتجا بأن عليا (عليهالسلام) وأبا قتادة ضمنا الدين عن الميت ، ولم يسأل النبي (صلىاللهعليهوآله) عن رضا المضمون له ، وأجيب بأنها واقعة لا عموم لها ، وأن ذلك انما يدل على عدم بطلان الضمان قبل علمه ورده ، ونحن نقول بموجبه ، لانه صحيح ، ولكن لا يلزم الا برضا المضمون له.
أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام والشيخ نور الله تعالى مرقديهما عن عبد الله بن سنان (١) في الصحيح «عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء ، فقال : إذا رضى به الغرماء فقد برئت ذمة الميت».
ورواه في الفقيه (٢) عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) مثله ، والحسن بن صالح زيدي ضعيف ، والخبر المذكور ظاهر في الدلالة على القول المشهور ، وبه استدل جملة من أصحابنا المتأخرين من غير أن ينقلوا له معارضا في ذلك ، مع وجود المعارض في الاخبار ، بل تعدده كما
__________________
(١) التهذيب ج ٦ ص ١٨٧ ح ١٧ وفروع الكافي ج ٥ ص ٩٩ ح ٢.
(٢) الفقيه ج ٣ ص ١١٦ ح ٣٣.