على ورعه وحيطته في الرواية ، وتحرّزه عن الرواية عمّن يخدش فيه بأيسر خدشة ، والشاهد على هذا ما ذكره النجاشي نفسه في إسحاق العقراني ـ كما تقدّم ـ ، فإنّه كان يروي آنذاك كتاب الكافي بوسائط قليلة ، وهو المعبر عنه بعلو الاسناد ـ على أرجح القولين ـ ولما كان ذلك موجبا للاتهام ، تجنّب الرواية عنه ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى انّ مشايخ النجاشي ـ كما يظهر ـ كان دأبهم على ذلك ، يعني انّهم لا يروون عن الضعيف ، فشدّة الاحتياط والتورّع منهم في الرواية تلازم وثاقتهم ، وقد مرّ انّ النجاشي قد تعجّب من محمد بن أبي بكر بن همام بن سهيل الكاتب الاسكافي وأحمد بن محمد بن سليمان أبي غالب الزراري ـ وهو من مشايخه ـ لأنّهما رويا عن جعفر بن محمد بن مالك ، وهو ضعيف.
كما أنّ النجاشي قد ذكر عن شيخه الحسين بن عبيد الله انّه قال عن عبيد الله بن أبي زيد الأنباري : انّه ورد بغداد واجتهدت أن يمكّنني أصحابنا من لقائه فاسمع منه ، فلم يفعلوا ذلك (١) ، وذلك لأنّهم يتّهمونه بالغلوّ والارتفاع.
فإذا كانت هذه سيرة مشايخه فكيف يتصوّر في حقّه أن يروي عن غير الثقة؟
والجواب عن هذا الدليل هو عين ما تقدّم في الجواب عن الدليل الأوّل ، فإنّه قاصر عن إفادة المدّعى. نعم ، تورّع النجاشي واحتياطه في الرواية عن المتّهمين أمر لا إشكال فيه ، وامّا بالنسبة إلى غيرهم فلم يثبت ذلك ، والدليل غير تامّ ، ويمكن أن يجعل مؤيّدا لما سيأتي لا أنّه دليل مستقلّ.
الثالث : ما ذكره النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن الجنيد
__________________
(١) رجال النجاشي ج ٢ ص ٤٢ الطبعة الاولى المحققة.