فمع أنّ هذا الشيخ صرف عمره في طلب الحديث ، لكن لما كان المشايخ قد ضعّفوه ، فهو لا يروي عنه بالمباشرة ، ويستفاد من هذا انّهم يفرّقون في الرواية بين الواسطة وعدمها ، وكأنّما يجعلون العهدة على الواسطة ، وفيه بحث ، ولعلّه يأتي.
ج ـ ما ذكره في ترجمة إسحاق بن الحسن بن بكران أبي الحسين العقراني التمّار ، قال عنه : كثير السماع ، ضعيف في مذهبه ، رأيته بالكوفة وهو مجاور ، كان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت علوا أو غلوا فلم أسمع منه شيئا (١).
وفي معنى علو يحتمل انّ الواسطة قليلة ، وهي من المرجّحات السنديّة كما هو متعارف عند علماء الرجال ، لقلّة احتمال الخطأ ، ويحتمل انّه كان غلوا بمعنى انّ روايته للكافي وهو شابّ فيه نوع غمز واتّهام.
والمهمّ في المقام انّ النجاشي لم يرو عنه ، لأنّه كان ضعيفا في مذهبه.
هذا إذا لم يكن قوله : «فلم أسمع» تفريعا على قوله : «وكان في هذا الوقت غلوا» فيكون فيه إشارة إلى الاتّهام بمعنى انّه كيف لشابّ في زمان النجاشي أن يدرك الكليني ويسمع حديثه وهو يحتاج إلى زمان طويل؟! ، لأنّ الكليني متقدّم زمانا على النجاشي ، وحينئذ لا ربط له بالضعف ، وإن كان النجاشي قد صرّح بضعفه في مذهبه لا في روايته.
هذا هو حاصل الدليل الأوّل ، إلّا أنّ هذا الدليل غير تامّ ، لأنّ أقصى ما يفيده هو عدم روايته عمّن عرف بالضعف ، وفساد المذهب ، اما أنّه يدلّ على انّه لا يروي إلّا عن ثقة ، فالموارد المذكورة قاصرة عن إفادة هذا المعنى.
__________________
(١) ن. ص ج ١ ص ١٩٩.