وهذا القول يبتني على أنّ الصحّة عند المتقدّمين تختلف عنها عند المتأخرين ، فالمراد من الصحّة عند القدماء هو صحّة المتن لا صحّة السند بمعنى أنّ المرويّ صحيح ومطابق للواقع ، ولا دلالة فيه علىّ وثاقة الرواة ، وبناء عليه فالمستفاد من العبارات تصحيح متون رواياتهم لا توثيق من يقع في اسنادها.
وأمّا الاحتمال الثاني : فقد استدلّ له بأن العبارات المتقدمة تدل على وثاقتهم ووثاقة من بعدهم ، لأنّ ما ذكر من الفرق بين الصحّة عند المتقدّمين والمتأخّرين غير ثابت ، بل الصحّة عند الجميع بمعنى واحد ، وقد ذكرنا فيما تقدّم ـ في البحث حول الكتب الأربعة ـ أنّ الصحّه بمعنى أنّ يكون الراوي ثقة ، فإذا قيل : في الصحيح عن فلان ، فمعناه أنّه وصل إلينا عنه بطريق صحيح ، وأمّا الحكم بصحّة المتن اعتمادا على وجود القرائن فبعيد لاستبعاد الفحص عن القرائن في كلّ رواية صدرت عنهم ، فالظاهر أنّ الحكم بالصحّة يدور مدار وثاقتهم لا صحّة متون رواياتهم ، وبناء عليه فالتصحيح بمعنى التوثيق ، فيشملهم ويشمل من بعدهم.
وأمّا الاحتمال الثالث : وهو توثيق هؤلاء وصحّة رواياتهم فدليله أنّه إذا ثبت تصحيح رواياتهم فمعناه أنّهم تتبعوا أصحاب الاجماع وفحصوا في جميع رواياتهم فعلموا أنّ جميع رواياتهم صحيحة ، وهذا عادة ملازم لوثاقتهم.
مضافا إلى انّ الموضوع لمعقد الاجماع هو هؤلاء الأشخاص لا رواياتهم ، فيكون في مقام بيان ضابطه كلّيّه لهؤلاء الرواة ، وحينئذ تكون الدلالة على الوثاقة بالمطابقة لا بالالتزام.
وأمّا الاحتمال الرابع ـ وهو أنّ المراد توثيق هؤلاء الرواة من دون نظر إلى رواياتهم ، فمعناه أنّ غاية ما تدلّ عليه العبارات الثلاث وثاقة هؤلاء في أنفسهم ،